وأقاده النبي صلىاللهعليهوسلم من ضاربه تأييد لذلك. ولقد كان هذا بتأييد النبي صلىاللهعليهوسلم وهو رئيس الدولة والمسلمين حيث تكون القاعدة أن يجري هذا بتأييد وتمكين وإشراف وليّ الأمر والسلطان. بل يتبادر لنا أن ما روي كان متساوقا مع عادات ومفاهيم أهل بيئة النبي .. وأنه ما دام ذلك قد تمّ بتمكين النبي صاحب السلطان فإن للسلطان الإسلامي أن يجعل مباشرة القصاص بإشرافه وأن لا يدعه هملا قد يؤدي إلى ما ليس حقّا وما فيه تجاوز وظلم وضرر وجنف. ولقد فرع الفقهاء على هذا التشريع فاتفقوا على ما يستفاد من ابن كثير على أن الجراح التي يكون فيها مفصل هي التي يكون فيها القصاص كاليد والرجل والكفّ والقدم. أما الجراح التي تكون في العظم باستثناء السنّ فمنهم من أوجب فيه القصاص إذا لم يكن من ذلك خطر على حياة الجاني ومنهم من لم يوجبه استنادا إلى أقوال علماء التابعين. أما السنّ فهم متفقون على القصاص فيه.
وسادسا : في صدد الحثّ على العفو في الجروح :
ولقد أورد المفسرون أحاديث عديدة في هذا الباب. منها حديث رواه الطبري عن أبي السفر قال (دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار فاندقت ثنيته فرفعه الأنصاري إلى معاوية فلما ألحّ عليه قال معاوية شأنك وصاحبك ، وكان أبو الدرداء عند معاوية. فقال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه لله إلّا رفعه الله درجة وحطّ عنه خطيئة به (١) فقال له الأنصاري أنت سمعته من رسول الله؟ قال سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فخلى سبيله فقال معاوية مروا له بمال) والحديث أيضا يؤيد كون المباشرة في الاقتصاص للمجني عليه بتأييد السلطان. ومن ذلك حديث رواه الطبري عن ابن الصامت قال «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من جرح في جسده جراحة فتصدق بها كفر عنه ذنوبه بمثل ما تصدق به». ومن ذلك حديث رواه الطبري عن عدي بن ثابت قال «هتم رجل
__________________
(١) هذا الحديث ورد في التاج برواية الترمذي بهذا النص «عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدّق به إلّا رفعه الله به درجة وحطّ عنه به خطيئة» التاج ج ٣ ص ٣٢ ومعنى فيتصدق به يعفو عنه.