ما قد يورده النصارى من أن عيسى لم يقل ما جاء في القرآن بحرفيته. على أن في القرآن شواهد على أن جملة (مِنْ دُونِ اللهِ) لا تعني بدلا من الله أو مكان الله. فآية سورة الزمر هذه (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [٣]. وآية سورة يونس هذه (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)) صريحتان بأن الذين يعبدون من دون الله ويتخذون أولياء من دون الله لا ينكرون الله ويؤمنون به وإنما عبدوا من دون الله واتخذوا أولياء من دون الله مع الله وللاستشفاع بهم لديه.
هذا ، وهناك حديث يرويه الشيخان في سياق الآية [١١٧] عن ابن عباس قال «خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قرأ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٠٤] ثم قال ألا وإنّ أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم. ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا ربّ أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» (١).
وهذا خبر عن مشاهد الآخرة عن رسول الله فيوقف عنده ويؤمن به كما هو شأن أمثاله من أخبار المشاهد الأخروية في القرآن والأحاديث الصحيحة. والحكمة الملموحة في الحديث بالإضافة إلى ذلك الخبر الأخروي هي التأسي بكلام عيسى المحكي في الآية بسبيل التنصّل مثله مما قد يرتكس فيه بعض أمته من بعده من انحراف وشذوذ ، وإنذار لأمته بذلك بقصد حملهم على خوف الله وتقواه واجتناب الشذوذ والانحراف. والله أعلم.
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ١١١.