للمقصرين المرتابين الواقفين مواقف غير مستحبة من الذين عاهدوا الله ورسوله على الإسلام مما حكته الآيات الكثيرة التي نزلت قبلها والتي أوردنا أرقامها وسورها قبل قليل. ولقد ذكرنا في ذيل الصفحة السابقة أن الرواية الثانية من مرويات مسلم عن ابن مسعود. وأحاديث مسلم من الصحاح. ولكن هذا ليس من شأنه أن يمنع الاستبعاد والاستغراب بل والشك أيضا. هذا ، وتحذير المؤمنين في الآية الأولى من أن يكونوا كأهل الكتاب مستمد على ما هو المتبادر من واقع أهل الكتاب بانحرافهم ونزاعهم وتحريفهم لكتب الله وبعدهم وتمردهم عن أوامر الله وشرائعه ونسيانهم كثيرا مما أنزل الله على أنبيائهم مما حكته آيات كثيرة في سور المائدة والنساء وآل عمران والبقرة.
وهو تحذير مستحكم لأن هذا الواقع كان تحت نظر المسلمين ومشاهداتهم ومسموعاتهم وكان موضع انتقادهم بل موضع انتقاد العرب قبل الإسلام على ما انطوى فى بعض الآيات منها آية فاطر هذه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) [٤٢]. وآية الأنعام (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [١٥٧].
ومع ما لمحناه من خصوصية الظرف الذي نزلت فيه الآية وصلتها بأحوال بعض فئات المسلمين في العهد النبوي المدني فإن الهتاف الذي فيها يظل واردا داويا مستمر المدى موجها إلى جميع المسلمين في كل ظرف ومكان كلّما انحرفوا أو انحرفت منهم فئة عن كتاب الله وسنّة رسوله. مذكرا إياهم بما فيهما من المثال الذي يشاهدونه من أهل الكتاب الذين ظلوا منحرفين عن رسالات رسلهم وكتب الله المنزلة عليهم. مهيبا بهم ألا يكونوا مثلهم لئلا تفسد قلوبهم وأن يخشعوا لذكر الله وما أنزل الله على رسوله من الحق وما صدر عن رسول الله من الحكمة ليكون في ذلك هدى لهم إلى سبيل الخير والسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.