وقد علّق الطبري على الروايات التي تقول إن المقصود في الآيات قريش فقال إن الآيات نزلت بعد فتح مكة وبعد دخول قريش في الإسلام. وهذا سديد صحيح. وقد رجح الرواية التي تقول إنهم البطن الذي لم ينقض من بني بكر حين نقض العهد البطون الأخرى مع قريش فأمر المسلمون بالاستقامة لهم ما استقاموا عليه. وهذا أيضا وجيه. ولكنه لا يمنع أن يكون أناس آخرون في جوار منطقة المسجد الحرام عاهدهم النبي صلىاللهعليهوسلم بعد فتح مكة فاستقاموا على عهدهم فعنتهم الآية والله أعلم. والرواية التي تقول إن المقصود من الفقرة الأولى من الآية الأولى أي الآية [٧] ثم الآيات الأخرى أي [٨ ـ ١٢] هم المشركون المعاهدون الناقضون لعهدهم محتملة ومتسقة مع فحوى الآيات وروحها. وقد انطوى فيها تبرير لإعلان براءة الله ورسوله منهم في الآية الأولى ثم في الآية الثالثة من السورة وتبرير للأمر الوارد في الآية الخامسة بقتلهم أينما وجدوا بدون هوادة إلى أن يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. وفي الآية [١١] قرينة على ذلك حيث جاءت بصيغة مماثلة للفقرة الأخيرة من الآية الخامسة.
وعبارات التبرير الواردة في الآيات قوية شديدة تدلّ على أن المشركين المعاهدين الذين بدا منهم النقض والغدر والذين أعلنت براءة الله ورسوله منهم كانوا على درجة شديدة من الحقد على المسلمين وتبييت المكر والشرّ والكيد لهم بحيث كان من المستبعد أن يحترموا العهد احتراما صحيحا. وبحيث انطوى فيها حكمة التنزيل في عدم الكفّ عن مطاردتهم وقتالهم وقتلهم إلّا إذا تابوا نهائيّا عن الشرك وأسلموا.
والأمر بالاستقامة في العهد لمن يستقيم عليه من المشركين دليل كما نبهنا من قبل على أن المقصود من المشركين المعلن براءة الله ورسوله منهم والمأمور بقتالهم هم الناقضون البادي غدرهم. ويلحظ أن العبارة مطلقة بدون توقيت. وهذا مهمّ في بابه كما هو المتبادر.
وجملة (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) بالنسبة لمن يتوبون من المشركين ويقيمون