يتحرك للمقابلة قبل نزول هذه الآيات بأربع سنين حيث قاد النبي في أول السنة الهجرية الخامسة حملة نحو دومة الجندل على بعد ١٥ أو ١٦ ليلة من المدينة وعاد منها دون اشتباك لأن قبائلها فرت وتفرقت (١). ثم سيّر حملة بقيادة زيد بن حارثة إلى حسمي وراء وادي القرى لتأديب الجذاميين الذين شلّحوا دحية فقتل وغنم وسبى منهم (٢). ثم سيّر حملة بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل ثانية فأسلم من أسلم وضرب على من لم يسلم الجزية (٣). ثم سيّر جيشا قويا في السنة الثامنة وقبل فتح مكة إلى مؤتة بقيادة زيد بن حارثة للثأر من واليها الذي قتل رسول النبي وقد بلغ الجيش مؤتة في ناحية البلقاء واشتبك مع الروم والقبائل النصرانية ودارت الدائرة عليه واستشهد ثلاثة قواد كانوا يتسلمون القيادة واحدا بعد آخر وهم زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم. ثم تمكن من الانسحاب بقيادة خالد بن الوليد (٤). ثم سيّر حملة بقيادة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل لأن قضاعة كانت تتجمع للزحف على المدينة فدوخ الناحية وهرب أهلها (٥) حيث يبدو من هذه السلسلة التي يصح أن يضاف إليها وقائع إجلاء وحرب النبي والمسلمين مع يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر ووادي القرى أن النبي والمسلمين حاربوا أهل الكتاب وأخذوا منهم الجزية قبل نزول هذه الآيات التي نحن في صددها وأن الأقوال التي يوردها الطبري غير متسقة مع الوقائع من جهة وأن هذه الوقائع متسقة في أسبابها وظروفها مع المبادئ القرآنية التي تقرر أن الجهاد إنما شرع للدفاع ومقابلة العدوان بالمثل ولم تكن الجزية والغنائم من أهدافه من جهة أخرى.
ولما كان النبي صلىاللهعليهوسلم قد استنفر المسلمين بعد نزول هذه الآيات إلى غزوة تبوك
__________________
(١) ابن سعد ج ٣ ص ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٢) المصدر نفسه ١٣١ ـ ١٣٢.
(٣) المصدر نفسه ص ١٣٢.
(٤) المصدر نفسه ص ١٧٤ ـ ١٧٧ وابن هشام ج ٣ ص ٤٢٧ ـ ٤٤٧.
(٥) ابن سعد ج ٣ ص ٧٧ ـ ٧٨.