وزحف على رأس حشد عظيم نحوها وبلغها على ما تذكره جميع مصادر التاريخ والتفسير القديم وتلهمه آيات السورة. ولما كان معظم منطقة تبوك وما وراءها من مشارف الشام إلى تخوم البلقاء وما بعدها من النصارى أهل الكتاب وكانوا تحت سلطان الروم من أهل الكتاب أيضا فإنه يسوغ القول بكل قوة والحالة هذه أن الآيات إنما نزلت بين يدي هذه الغزوة على سبيل الحثّ والتبرير والتعليل وحسب. والروايات تذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما استنفر إليها لما بلغه من أن الروم قد حشدوا حشودا كثيرة بقصد الزحف على المدينة وانضوى إليها قبائل لخم وجذام وعامة النصرانية وأرسلوا طلائعهم إلى مشارف الشام (١) فضلا عن الأسباب السابقة وما استدعته من حركات عديدة حيث يتسق هذا مع أسباب الحركات الأولى ومع التقريرات القرآنية لأسباب ومبررات الجهاد الإسلامي وأهدافه. وقد ذكرت الروايات أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما عاد من تبوك فكّر في تسيير جيش جديد إلى مؤتة للثأر لجيش زيد بن حارثة الذي سار للثأر من والي مؤتة لقتله رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعين لقيادته أسامة بن زيد حيث يدل هذا على أن النبي صلىاللهعليهوسلم ظلّ يعتبر حالة الحرب قائمة بينه وبين الروم ونصارى العرب في مشارف الشام. ولقد مات النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يسير هذا الجيش فسيّره خليفته الأول أبو بكر ثم لم يكد هذا الخليفة أن يقمع الحركات المهمة من حركات فتنة الردة حتى التفت نحو الشام فسيّر الجيوش العديدة استمرارا وتنفيذا لاختيار رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وبهذا يظهر بكل وضوح أن حركة الفتوح الشامية إنما كانت استمرارا لحالة الحرب التي قامت بين النبي والمسلمين وبين الروم وأعوانهم والتي كانت أسبابها ودواعيها متسقة مع التقريرات القرآنية ولم تكن بدءا هجوميا بقصد الفتح والغنائم.
ويلحظ أن الآيات قد جمعت أهل الكتاب وأهل الكتاب ليسوا النصارى فقط والتعبير يشمل اليهود أيضا بل وغيرهم على ما شرحناه في سياق سورة غافر
__________________
(١) ابن سعد ج ٢ ص ٢١٨ ـ ٢٢١ وابن هشام ج ٤ ص ١٦٩ ـ ٢٢١ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٦١ ـ ٣٦٧ والبلاذري ص ٦٦ ـ ٦٩.