ينبغي للنبي والمسلمين أن يستغفروا للمشركين الذين ماتوا على شركهم وغدت الجحيم مصيرا حتميّا لهم في الآخرة. وبيانا بأن استغفار إبراهيم لأبيه لا يصح أن يكون مثالا مبررا لذلك لأنه إنما استغفر له بناء على وعد وعده به وقبل أن يتيقّن من عدائه لله فلما تيقّن من ذلك تبرأ منه لأنه يخاف الله ولا يفعل ما لا ينبغي. أما الآية الثالثة فقد احتوت تنبيها بأن الله سبحانه اقتضت حكمته أن يبين للناس الذين هداهم بهداه الأعمال التي يجب عليهم أن يتقوها ويتجنبوها ولا يدعهم في عماية وضلال حتى يكونوا على بيّنة وهو العليم بكل شيء ومقتضيات الأمور.
لقد روى الطبري روايات عديدة في سياق نزول الآية. منها رواية أنها في صدد وعد رسول الله لعمّه بالاستغفار له حينما حضرته الوفاة وأصرّ على دين آبائه بتحريض من زعماء قريش الكفار. وهذا الخبر ورد في حديث رواه الشيخان عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : «لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال رسول الله يا عمّ قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب. فلم يزل النبي يعرضها عليه ويعيد الاثنان عليه قولهما حتى كان آخر كلامه هو على ملّة إبراهيم وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الآية» (١) ومنها أنه لما قدم النبي على مكة من الفتح وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها حتى نزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِ) الآية. وروى الطبري صيغة أخرى لهذا الخبر ولا يذكر أن الآية نزلت في هذا الموقف.
وقد روى هذا مسلم وأبو داود والنسائي أيضا عن أبي هريرة بهذه الصيغة «زار النبي صلىاللهعليهوسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» (٢).
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ١٢٠.
(٢) التاج ج ١ ص ٣٤٥.