ومن الروايات التي يرويها الطبري أن بعض أصحاب رسول الله قالوا له يا نبيّ الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي الذمم أفلا نستغفر لهم. قال بلى. والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه فأنزل الله الآيتين الأوليين. فيهما نهي وبيان بسبب استغفار إبراهيم لأبيه وكفّه عن ذلك. ومنها أن شخصا سمع آخر يستغفر لوالديه وهما مشركان فقال له أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر له ذلك فنزلت الآيتان. وروى الطبري أن الذين استغفروا لآبائهم ظنوا أنهم اقترفوا إثما بعد نزول الآيتين فأنزل الله الآية الثالثة.
وروى البغوي رواية أخرى في صدد نزول الآية الثالثة وهي أن قوما قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم وأسلموا ولم تكن الخمر محرّمة ولا القبلة مصروفة إلى الكعبة ثم قدموا عليه بعد مدة فوجدوا الخمر محرمة والقبلة مصروفة إلى الكعبة فقال يا رسول الله قد كنت على دين ونحن على غيره فنحن على ضلال فأنزل الله الآية الثالثة.
ويلحظ أن المناسبة بعيدة بين وفاة أبي طالب والآيات. وكذلك بينها وبين زيارة النبي لقبر أمه. فضلا عن أن الآيات تشرك المؤمنين مع النبي وليست قاصرة عليه. وهذا ما يجعلنا نتوقف في روايتي أبي طالب وأم النبي ونزول الآيات في صددهما. وحديث أبي طالب الذي يرويه الشيخان عن سعيد بن المسيب والذي فيه أن الآية نزلت في صدد ذلك هو قول شخص وليس عن النبي صلىاللهعليهوسلم مباشرة. ولا يكون حجة قاطعة على أن الآية نزلت في صدد ذلك. والحديث الذي يذكر أن الآية نزلت في صدد استغفار النبي لأمه ليس من الصحاح. والحديث الصحيح الذي يرويه مسلم وأبو داود والنسائي في ذلك ليس فيه أن الآية نزلت في ذلك.
وقد تكون الرواية التي تذكر أن النبي قال لمن سأله عن صواب الاستغفار للآباء ذوي الأعمال الحسنة بلى ثم قال لأستغفرن لأبي أيضا هي أكثر الروايات اتساقا مع نصّ الآيتين وإن لم ترد في الصحاح. لأن النبي والمؤمنين معا اشتركوا