لليهود : اتقوا الله فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته. فقال رافع بن حرملة ووهب بن يهوذا : ما قلنا لكم هذا وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله الآية.
ويلحظ أن الآية موجهة إلى أهل الكتاب مثل الآية [١٥] المقاربة لها في الصيغة ، حيث يتبادر أكثر أن تكون استمرارا في السياق الاستطرادي وجزءا منه. وهذا لا يمنع أن يكون الجماعة المذكورون في الرواية قد قالوا لجماعة اليهود ما قالوا وأن جماعة اليهود قد ردّوا عليهم بما ردّوا في موقف ما.
وأسلوب الآية قوي في صدد الدعوة المحمدية وتوجيهها إلى أهل الكتاب. وفيه صراحة تدعم صراحة الآية [١٥] في شمول الدعوة لأهل الكتاب فضلا عن غيرهم.
وعلى ضوء ما جاء في الآيتين [١٥ ـ ١٦] يصحّ القول إنهما في صدد تقرير أن حكمة الله تعالى قد اقتضت إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم بعد فترة انقطاع الرسل بالنور والكتاب المبين ليبيّن للناس وبخاصة لأهل الكتاب حدود ويحلّ مشاكلهم ويصحح انحرافاتهم ويستجيب إلى حاجاتهم ويجمعهم جميعا تحت لواء الدين الحق الذي أرسله الله به.
والآية قد جمعت تعابير (الرسول) و (البشير) و (النذير) معا على معنى أن مهمة الرسول هي التبشير والإنذار. وفي هذا ردّ على ما قاله بعض المستشرقين اعتباطا من أن القرآن كان يفرّق بين معاني النذير والرسول وأنّه مرّ على النبي صلىاللهعليهوسلم فترة كان يتحاشى فيها أن يقول بأنه رسول ويكتفي بالقول إنه نذير ومنذر مع أن هذا غير صحيح أيضا لأن القرآن وصف النبي بالرسول منذ وقت مبكر في مكة وفي أوائل ما نزل من السور (الآية ١٥ من سورة المزمل) ثم تكرر وصفه بالرسالة في آيات كثيرة أخرى مكية ولأن في القرآن المكي آيات كثيرة تفيد أن التبشير والإنذار هما مهمة الرسول.
هذا ، والسلسلة التي تبتدئ بالآية [١٢] مصبوبة كلّها على كون مفهوم (أهل الكتاب) هم اليهود والنصارى. وفي هذا تدعيم لما قلناه في آخر تفسير الآية [٥].