ولقد شاءت حكمة الله تعالى أن يكون هذا الرسول البشير النذير الذي هو خاتم النبيين كما جاء في الآية [٤٠] من سورة الأحزاب. وأن يكون هذا الدين هو جماع الهدى والحق ليكون دين الإنسانية جميعا ويظهر على الدين كلّه كما جاء في آية سورة الفتح [٢٨] والصف [٩] فشاءت حكمته تبعا لذلك أن يكون كاملا تاما مستجيبا لكل حاجات البشر وحالا لكلّ مشاكلهم على اختلاف مستوياتها وأنواعها كما جاء في الآية الثالثة من هذه السورة وآيات سورة النحل [٨٩] والأنعام [٣٨] والأعراف [١٥٧]. وكان في ذلك كلّه أعظم شرف للجنس العربي في دور عروبته الصريحة لأنه منه وكتابه بلغته. وقد حمل بذلك أعظم وأشرف رسالة ومسؤولية إنسانية خالدة. ولقد روى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلّا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون ويقولون هلّا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» (١) ولقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (٢).
وهذا الحديث يساق في سياق الآيات التي نحن في صددها التي تهتف بأهل الكتاب الذين يستفاد من السياق السابق أن المقصود بهم اليهود والنصارى وأنه قد جاءهم النبي محمد صلىاللهعليهوسلم نذيرا وبشيرا على فترة من الرسل لئلّا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وينبغي أن لا يكون هذا الحديث والحالة هذه حاجبا للحقيقة القرآنية المقررة في آيات كثيرة بأن مصير غيرهم من جميع النحل والملل والفئات الذين يسمعون بالنبي ولا يؤمنون به هو نفس المصير.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ
__________________
(١) التاج ج ٣ ص ٢٠٥.
(٢) التاج ج ١ ص ٢٠.