مكية بالاتفاق ، وقد أشكل على بعضهم هذا ، ولا إشكال لأنها نزلت مرة بعد مرة.
ومثله فى الصحيحين عن ابن مسعود فى قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الإسراء : ٨٥ ، إنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح وهو فى المدينة ، ومعلوم أن هذه فى سورة الإسراء ، وهى مكية بالاتفاق ، فإن المشركين لما سألوه عن ذى القرنين ، وعن أهل الكهف ، قيل ذلك بمكة ، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك ، فأنزل الله الجواب.
وكذلك ما ورد فى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الإخلاص ، أنها جواب للمشركين بمكة ، وأنها جواب لأهل الكتاب بالمدينة.
وكذلك ما ورد فى الصحيحين من حديث المسيب : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، وتلكأ عن الشهادة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والله لأستغفرن لك ما لم أنه. فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) التوبة : ١١٣ ، وأنزل الله فى أبى طالب : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) القصص : ٥٦ ، وهذه الآية نزلت فى آخر الأمر بالاتفاق ، وموت أبى طالب كان بمكة ، فيمكن أنها نزلت مرة بعد أخرى ، وجعلت أخيرا فى براءة.
وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه ، وتذكيرا به عند حدوث سببه ، خوف نسيانه ، وهذا كما قيل فى الفاتحة ، نزلت مرتين ، مرة بمكة ، وأخرى بالمدينة.
ولعل ما يذكره المفسرون من أسباب متعددة لنزول الآية ، من هذا الباب ، لا سيما أن المعروف عن الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : نزلت هذه الآية فى كذا ، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب فى نزولها.
وقد يكون النزول سابقا على الحكم ، وهذا كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا