فى الجملة بعجز العرب عن معارضته مع توفر الدواعى ، وذلك مما لا يحتاج فى معرفته إلى طريقة التفصيل ، فلا يمتنع منهم أن يعرفوا ذلك.
فأنت ترى معى أنى متفق والقاضى عبد الجبار فى إيمان غير العربى بإعجاز القرآن أسلوبا ، وإن كنت قد زدت على القاضى عبد الجبار هذه التسمية التى سميتها بالأهلية الحملية والأهلية التوثقية.
ولعلك وقفت معى عند كلمة القاضى عبد الجبار «فإن قلتم إنهم لا يعرفون ذلك فيجب ألا يكونوا محجوجين بالقرآن ، وعندكم أنه الحجة الظاهرة والمعجزة الباهرة دون غيره» ، فهو من غير شك يتكلم عن إعجاز القرآن أسلوبا ولم يلتفت إلى إعجازه رسالة ليجعل منها هى الأخرى حجة القرآن.
نعم إن الأمر كما قلت لك هو انصراف الأقدمين جملة إلى هذا الشق ـ وأعنى به الشق الأسلوبى ـ أكثر من انصرافهم إلى الشق الثانى من إعجاز القرآن ، ألا وهو الرسالة.
* * *
وقد اختلف الأقدمون فى الإعجاز على أقوال ، أصحها :
١ ـ تأليفه الخاص به ، فى اعتدال مفرداته تركيبا ، وعلو مركباته معنى.
٢ ـ ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة ، مما أخبر به بأنه سيقع فوقع.
٣ ـ ما تضمنه من إخبار عن قصص الأولين وسائر المتقدمين ، حكاية من شاهدها وحضرها.
٤ ـ أن التحدى إنما وقع بنظمه ، وصحة معانيه ، وتوالى فصاحة ألفاظه ، ووجه إعجازه أن الله قد أحاط بكل شىء علما. والإتيان بمثل القرآن لم يكن قط فى قدرة أحد من المخلوقين. ولقد قامت الحجة على العالم بالعرب ، إذ كانوا أرباب الفصاحة وفطنة المعارضة.
(ـ ٣ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٣)