١ ـ قصد تنظيم شأن المخاطب ، كقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) الإسراء : ١١١ ، فإن التأدب فى الغيبة دون الخطاب. وقيل : إنه كما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه الصفات العظيمة ، من كونه ربّا للعالمين ، ورحمانا ورحيما ، ومالكا ليوم الدين ، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن ، حقيق بأن يكون معبودا دون غيره ، مستعانا به ، فخوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة ، تعظيما لشأنه كله ، حتى كأنه قيل : إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا غيرك.
٢ ـ التنبيه على ما حق الكلام أن يكون واردا عليه كقوله : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يس : ٢٢ ، أصل الكلام : وما لكم لا تعبدون الذى فطركم ، ولكنه أبرز الكلام فى معرض المناصحة لنفسه ، وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويريهم أنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه ، ثم لما انقضى غرضه من ذلك قال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ليدل على ما كان من أصل الكلام ومقضيّا له.
٣ ـ قصد المبالغة ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) يونس : ٢٢ ، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليتعجب منها ويستدعى منه الإنكار والتقبيح لها ، إشارة منه على سبيل المبالغة إلى أن ما يعتمدونه بعد الإنجاء من البغى فى الأرض بغير الحق مما ينكر ويقبح.
٤ ـ قصد الدلالة على الاختصاص ، كقوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ) فاطر : ٩ ، فإنه لما كان سوق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بعد موتها بالمطر دالا على القدرة الباهرة التى لا يقدر عليها غيره ، عدل عن لفظ الغيبة إلى التكلم ، لأنه أدخل فى الاختصاص وأدل عليه.
٥ ـ قصد التوبيخ ، كقوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) مريم : ٨٨ و ٨٩ ، عدل عن الغيبة إلى الخطاب للدلالة على أن قائل مثل قولهم ينبغى أن يكون موبخا ومنكرا عليه ، ولما أراد توبيخهم على هذا أخبر عنه بالحضور ، لأن توبيخ الحاضر أبلغ فى الإهانة له.
* * *