فى ذاك الموطن ـ أعنى اليمامة ـ فيضيع على المسلمين جمّاع دينهم ، ويعز عليهم كتابهم.
وحين جلس عمر إلى أبى بكر أخذ يناقشه فيما أتى إليه من جمع القرآن ، بعد أن بسط السبب الحافز ، وتلبث أبو بكر يراجع نفسه ، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت ، وكان من كتاب الوحى ، وحضر زيد مجلس أبى بكر وعمر وسمع منهما ما هما فيه ، فإذا هو معهما فى الرأى ، وإذا أبو بكر حين يجد من زيد حسن الاستجابة يتجه إليه يقول : إنك شاب عاقل لانتهمك ، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله ، فتتبع القرآن اجمعه.
ومضى زيد يتتبع القرآن يجمعه ويكتبه ، وكان زيد حافظا ، فيسر عليه حفظه عبأه شيئا ، ولكنه كان إلى هذا لا يقنع فى إثبات الآية يختلف فيها إلا بشهادة.
واجتمعت هذه الصحف فى بيت أبى بكر حياته ، ثم فى بيت عمر حياته.
* * *
وكما حركت محنة اليمامة عمر إلى حسنة ، حركت محنة أخرى ـ بعد مقتل عمر ـ عثمان إلى حسنة ، فقد قدم حذيفة بن اليمان من حرب أرمينية وأذربيجان على عثمان فزعا من اختلاف المسلمين فى قراءة القرآن ، يقول لعثمان : أدرك الأمة قبل أن يختلفوا.
وكما استجاب أبو بكر إلى عمر استجاب عثمان إلى حذيفة ، فأرسل عثمان يطلب الصحف من عند حفصة بنت عمر وزوج النبى. وأرسلت حفصة بالصحف إلى عثمان ، وجمع عثمان إليه زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وكلهم من كتاب الوحى ، وأمرهم بنسخ هذه الصحف. فكتبوا منها سبع مصاحف ، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة. فلم نزل عندها حتى أرسل مروان بن الحكم بن أبى العاصى فأخذها فحرقها ، كما ذكر أبو بكر السجستانى.