وكان المعلّم يجلس للصبيان بعد صلاة الصبح إلى أن يرتفع الضحى ، ومن بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر.
وحين خرج عمر إلى الشام وغاب عن المدينة شهرا استوحش إليه الناس ، وخرج صبيان المكتب للقائه على مسيرة يوم من المدينة ، وكان ذلك يوم الخميس ، ورجعوا معه إلى المدينة يوم الجمعة ، وقد انقطعوا عن المكتب يومين أجازهما لهم عمر ، وكانت بعد ذلك عادة متبعة.
وحين اختار الله لرسالته محمدا اختار فيه صفات كريمة أمده بها وطبعه عليها ، فوهبه نفسا قوية ، وروحا عالية ، وقلبا كبيرا وذهنا ، وقادا وبصيرة نفاذة ، ولسانا مبينا ، وفكرا واعيا ، ووهبه صدق لسان ، وطهارة ذيل ، وعفة بصر ، وأمانة يد ، ورحمة قلب ، ورقة وجدان ، ونبل عاطفة ، ومضاء عزيمة ، ورحمة للناس جميعا.
وكان اختيار الله له أميّا لا يقرأ ولا يكتب يضيف إلى إذعان الناس له ، وإيمانهم برسالته سببا يفسره تعالى فى قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨] ويبينه صدور هذا الوحى على لسانه يتلوه على قومه بكرة وعشيّا ، لا تبديل فيه ولا تغيير ، وما يقوى على مثلها إلا من يملك أسفارا يعود إليها ليستظهر ما فيها.
وليس فى منطق الرسالات أن تكون الحجة للناس عليها ، بل هى لا تطالع الناس إلا والحجة لها عليهم ، كما لا تطالعهم إلا وفى صفحاتها الجواب عن كل ما يصوره لهم تصورهم ، تحوط السماء رسالاتها بهذا كله لكيلا يكون للناس على الله حجة ، وليكون منطق الرسالات من منطق الناس ، لا تلتوى عليهم الرسالة فيلتووا هم عليها.
ولم يكن اختيار محمد قارئا وكاتبا شيئا يعز على السماء ، ولكنه كان شيئا إن