فإن قيل أليس من قولكم إن الله تعالى بكل مكان؟
قلنا بلى ومعنى ذلك أنه عالم بكل مكان وبما فيه حافظ له وهذا معروف في اللغة يقول القائل لصاحبه إني معك حيث كنت وإني لا أغيب عنك ويريد لا أجهل ما تعمله ولا يخفى علي شيء منه ويقال إن الرجل في صلاته وفي بناء داره وليس المراد أنه متمكن أو حال فيها وإنما يريدون أنه يفعلها ويدبرها.
فإن قيل أوليس في القرآن أن له عرشا وكرسيا؟
قلنا هو كذلك والعرش المذكور في القرآن على وجهين أحدهما قوله سبحانه (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (١).
وقد قال أهل العلم في ذلك إن العرش هنا هو الملك واستواؤه عليه هو استيلاؤه عليه بالقدرة والسلطان.
واستشهدوا في ذلك بشواهد منها قول الشاعر في ذكر العرش وأنه الملك
إذا ما بنو مروان ثلث عروشهم |
|
وأودوا كما أودت أياد وحمير (٢) |
ومنها قول الآخر في ذكر الاستواء وأنه الاستيلاء
إذا ما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم مرعى لنسر وكاسر |
يريد بذلك الاستيلاء والقدرة عليهم والتمكن لهم بالقهر لهم.
والآخر تفسير قوله سبحانه :
(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) الحاقة : ١٧.
فقد قال العلماء في ذلك إن هذا العرش بنية خلقها الله تعالى في سمائه وأمر الملائكة بحملها لا ليكون عليها تعالى الله عن ذلك ولكن لما رآه من الصلاح في تعبدهم بحملها وتعظيمها كما أنه سبحانه تعبد بني آدم بتعظيم الكعبة في الطواف حولها وقال إنها بيته لا ليسكنها تعالى الله عن ذلك.
__________________
(١) سورة طه : ٥
(٢) أياد وحمير قبيلتان من قبائل اليمن.