وما نراكم قنعتم بهذا الإقرار حتى جعلتم الأفعال البشرية واقعة لما توجب الأقضية النجومية ومانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكم إن الإنسان يمكن أن يحترز من المنحسة فيدفعها أو ينقص منها ما سلطته لها فلولا أن فعله أقوى واحترازه أمضى لم يرفع عن نفسه سوءا.
ثم سئلوا أيضا فقيل لهم إذا سلمتم أن أفعال الإنسان مختصة بهم وليست مما توجبه النجوم فيهم وأنتم مع هذا تقولون للإنسان احذر على مالك من طروق سارق فقد أقررتم أن حذره من تأثير المختص به فأخبرونا الآن عن طروق السارق وما الموجب له فإن قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم ورددتم إليها أفعال العباد ونافيتم وإن قلتم إن طروق السارق مختص به ولا موجب له غير اختياره أجبتم بالصواب وقيل لكم فما نرى للنجوم تأثيرا في هذا الباب.
واعلم أيدك الله أنهم لم يبق لهم ملجأ إلا أن ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى فيقولون إن النجوم دالة وليست بفاعلة وعلامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقول إنها موجبة قادرة وأبطلوا دعواهم أنها مدبرة وقيل لهم أفتقولون كل أمر تدل عليه فإنه سيكون لا محالة؟
فإن قالوا نعم نقضوا ما تقدم وإن قالوا قد يجوز أن يحرم تداولها ويحرم ما دلالته عليه منها لم تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها واقتصروا على مقالة لا يضرك مناقشتهم فيها.
وأنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم ونكت من إفساد استدلالهم والأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولا لأحكامهم.
اعلم أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل والثور والجوزاء إلى آخرها لا أصل لها ولا حقيقة وإنما وضعها الراصدون لهم متعارفا بينهم وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الاثني عشر وغيرها والجميع ثمان وأربعون صورة عندهم مشهورة وعلماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور وتشبيهها وقسمة الكواكب عليها وتسميتها صنعه متقدموهم ووضعه حذاقهم الراصدون لها.
وقد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك وهو من جلتهم