على نحو واجب ودليل عقل ثابت فقالوا إن الحكم على الكسوف على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة مثل العذراء والرامي والدجاجة والنسر الطائر وما أشبهها فإن الحادث في الطير الذي يأكل الناس وإن كان الحيوان مثل السرطان والدولفين فإن الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية.
وهذه فضيحة عظيمة وحال قبيحة أفما يعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة والصور البحرية بحرية وأنهم لو لا ما فعلوه لم يكن شيء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها وتشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن حكم الكسوف مستخرجا منها وصادرا عنها وهذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم وأن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب.
فصل :
ولم يقنع ابن هبنتي (١) بهذه الجملة حتى قال في كتابه المعروف بالمغني وهو كتاب نفيس عندهم قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم وذوي الفضيلة منهم رأيته بدار العلم في القاهرة بخط مصنفه قال فيه :
إن وقع الكسوف في المثلث أي في الدرج التي تحتوي عليه دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة والعلوم اللطيفة.
وهذا المثلث أيدك الله هو من كواكب على شكل مثلث لأن في السماء عدة مثلثات ومربعات مما هو داخل الصورة التي ألفوها وخارج عنها فكيف صار الحكم مختصا بهذا دونها وما نرى العلة فيه إلا تسميتهم له بذلك فكان سببا لوقوع أهل الهندسة في المهالك.
__________________
(١) هبنتى بالهاء والباء والنون والتاء وألف تكتب ياء وألفا عن محاضرات علم الفلك طبعة مصر صلى الله عليه وسلم ١٨٥ ، وابن هبنتى منجم نصراني عاش ببغداد وألف كتابا في التنجيم أسماه المغني بعد سنة ٣٣٠ ه ـ ٩٤١ م وكان الجزء الثاني لا يزال محفوظا في مكتبة (موينخ) وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون مع اسم ابن هبنتة محرفا انظر دائرة المعارف اللبنانية ج ٧ صلى الله عليه وسلم ١١٧.