الرحم التي عطفتني عليك والسابقة التي سلفت لك لقد كان اختطفتك بعض عقبان أهل الشام فيصعد بك في الهواء ثم قذفك على دكادك شوامخ الأبصار فألفيت كسحيق الفهر على صن الصلابة لا يجد الذر فيك مرتعا ولقد عزمت عزمة من لا يعطفه رقة الإنذار إن لم تباين ما قربت به أملك وطال له طلبك ولأوردنك موردا تستمر الندامة إن فسخ لك في الحياة بل أظنك قبل ذلك من الهالكين وبئس الرأي رأي يورد أهله إلى المهالك ويمنيهم العطب إلى حين لات مناص وقد قذف بالحق على الباطل (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) ولله (الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) والمنة الظاهرة والسلام.
جواب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه
من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان :
أما بعد فقد أتانا كتابك بتنويق المقال وضرب الأمثال وانتحال الأعمال تصف الحكمة ولست من أهلها وتذكر التقوى وأنت على ضدها قد اتبعت هواك فحاد بك عن طريق الحجة وألخج بك عن سواء السبيل فأنت تسحب أذيال لذات الفتن وتحيط في زهرة الدنيا كأنك لست توقن بأوبة البعث ولا برجعة المنقلب قد عقدت التاج ولبست الخز وافترشت الديباج سنة هرقلية وملكا فارسيا.
ثم لم يقنعك ذلك حتى يبلغني أنك تعقد الأمر من بعدك لغيرك فيهلك دونك فتحاسب دونه ولعمري لئن فعلت ذلك فما ورثت الضلالة عن كلالة وإنك لابن من كان يبغي على أهل الدين ويحسد المسلمين.
وذكرت رحما عطفتك علي فأقسم بالله الأعز الأجل أن لو نازعك هذا الأمر في حياتك من أنت تمهد له بعد وفاتك لقطعت حبله وأبنت أسبابه.