كما أن الحاضر لا يعلم بالاستدلال إلا أن يغيب.
ولو جاز أن يخلقهم فيعرفون الغائب لجاز أن يقدرهم على ذلك وهذا محال.
ولا يجوز أيضا أن يخلق الشكر فيهم لأنه لو خلقه لهم لم يكونوا هم الشاكرين بل يكون هو الشاكر نفسه لأن الشاكر من فعل الشكر لا من فعل فيه كما أن الظالم من فعل الظلم لا من فعل فيه.
مسألة أخرى للملاحدة
قال الملحدون.
كيف يجوز من الحكيم الرحيم أن يخلق خلقا ثم يكلفهم وهو يعلم أنهم يعصون فيصيرون إلى العذاب الأليم ويبقون فيه مخلدين وهو لو لم يخلقهم لم يكن ذلك أو خلقهم ولم يكلفهم لم يقع الكفر منهم.
الجواب :
قيل لو وجب أن يكون الخلق والتبليغ قبيحا ولا حكمة لأن ذلك لو لم يكن ما استحق أحد العذاب والخلود في النار لكان لا شيء أوضع ولا أضر من العقل لأن الإنسان متى لم يكن عاقلا لم يلحقه لوم في شيء يكون منه ولم يلزمه عقاب ولا أدب على زلل يصدر عنه ومتى كان عاقلا لحقه ذلك أجمع ومستحقه.
والأمم كلها ملحدها وموحدها مجمعة على اعتقاد شرف العقل وفضيلته وعلو منزلته وسقوط ضده ونقصه.
فإن قالوا إن العقل ليس يدعو إلى شيء مما يوجب اللوم ولا يحمل عليه ولا يدخل فيه بل هو ناه عن ذلك زاجر عنه ولو شاء المكلف لم يكفر بل أطاع فاستحق بطاعته الخلود في نعيم الجنان كما استحق غيره ممن أطاع.
وبعد ففي التكليف تعريض لأجل منازل النعيم وهي منزلة الاستحقاق وفيه فعل ما تقتضيه الحكمة والصلاح.