الجليل ليستحق الطائعون ما سبق لهم في المعلوم وليس نفع المخالفة بعد التبيين والتعريف وإزاحة العلة في التكليف إلا عن جان على نفسه غير ناظر في عاقبة أمره.
وجواب ثان
ويقال لهم لو خلق الله تعالى خلقه في الجنة لم يخل أمرهم من حالين إما أن يبيحهم الجهل به وكفر نعمته فليس بحكيم من أباح ذلك.
وإما أن يأمرهم بمعرفته وشكر نعمته والحكمة توجب ذلك فلا بد عند الأمر بالشيء من النهي عن ضده ثم لا بد من ترغيب فيما يأمر ووعد جميل على فعله وترهيب فيما نهى عنه ووعيد على فعله.
وإذا وجب الأمر والنهي والترغيب والترهيب والوعد والوعيد فقد حصلت حالهم كحالهم في الدنيا ووجب أن يكون للوعيد إنجاز فينتقلوا إلى دار الجزاء فقد انتهى الأمر إلى ما فعله سبحانه به مما لا يقتضي الحكمة غيره.
فإن قالوا أليس الطائعون لا بد من مصيرهم إلى الجنة فألا كانت حالهم في الابتداء كحالهم في الثواب والجزاء من حصول المعرفة والشكر؟
قلنا لهم بين الوقتين فرق وذلك أنهم إذا صاروا إلى الجنة بعد كونهم في الدنيا فقد تقدم لهم الأمر والنهي وذاقوا البؤس والآلام وعرفوا قدر النعمة وشاهدوا وقوع العقاب والثواب بأهلها فكان ذلك يقوم لهم في الترغيب في المعرفة والشكر والانزجار عن تركهما مقام الأمر والنهي والوعد والوعيد.
ولو ابتدأهم في الجنة لم يكونوا أمروا ولا نهوا ولا وعدوا ولا توعدوا ولا فعل بهم ما يقوم مقام ذلك فكان بمنزلة من أبيح له الجهل والكفر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ولا يجوز أن يخلق فيهم المعرفة به ابتداء لأن الغائب لا يعرف بالضرورة إلا أن يحضر.