ذكرت ما لحق أبي وتصور شخصه بين عيني وتجدد حزنه علي ففعلت الذي رأيت بنفسي.
فندمت على سوء ظني به وتغممت عما لحقه واتعظت بقصته وعلمت أن الله تعالى لطف لي بمشاهدة هذه الحال والوقوف عليهم لتكون لي دلالة على الصواب في هذه المسألة وأشباهها وأنه محرم على كل عاقل لبيب أن يعجل بتجهيل من ثبت عنده عقله وبان له فضله إذا ظهر منه فعل لم يعرف فيه سببه ولا علم مراده منه وغرضه.
وورود مثل هذه الأمور من العقلاء كثير وهي حجة على من أظهر التعجب مما ورد به الشرع من التكليف وجعل عدم علمه بأسباب ذلك دلالة على تعقله الضعيف.
على أن الأخبار قد نقلت عن الأئمة عليهم السلام بذكر أسباب لهذه العبادات تسمى عللا على المجاز والاتساع (١) وجمع في ذلك علي بن حاتم القزويني (٢) رحمهالله كتابا سماه كتاب العلل وأنا أذكر طرفا مما رواه في الحج ومناسكه وأسبابه وعلله.
قال إن الحج هو الوفادة إلى الله عزوجل وفيه منافع كثيرة للدنيا والآخرة من الرغبة إلى الله تعالى والرهبة منه والتوبة إليه من معاصيه وطلب الثواب على تحمل المشاق فيما يرضيه ومنفعة أهل الشرق والغرب ومن في البر والبحر من تاجر وجالب ومشتر وبائع ونحو ذلك من الفوائد.
__________________
(١) قائل هذا البيت هو أميّة بن أبي الصلت.
(٢) أقول : ليس بالضرورة أن يكون حزنه طاعة أو معصية ، بل يجوز أن يكون مباحا ككثير من الانفعالات الشخصية ، كما أنّه لا ينحصر أن يكون في قوله لا تحزن للتحريم ، إذ يجوز هنا أن يكون للإرشاد أو للاشفاق الذي لا يستتبع معصية كما هو واضح.