قط آية من كتاب الله. وإذا سئل عن ذلك لم يجب. (انظر الحكاية عنه في الكامل)
ثم قال الشاطبيّ : فالذي يستفاد من هذا الموضع أشياء. منها : التحفظ من القول في كتاب الله تعالى إلا على بينة. فإن الناس ، في العلم بالأدوات المحتاج إليها في التفسير ، ثلاث طبقات.
إحداها : من بلغ في ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم. وهؤلاء قالوا مع التوقي والتحفظ والهيبة والخوف من الهجوم. فنحن أولى بذلك منهم إن ظننّا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم. وهيهات.
والثانية : من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم. فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه.
والثالثة : من شك في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد ، أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض. فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه. لأن الأصل عدم العلم. فعند ما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين ، فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال. وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال. وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره ، فحسّن ظنه بنفسه ، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين. ومن هنا افترقت الفرق ، وتباينت النحل ، وظهر في تفسير القرآن الخلل.
ومنها : أن من ترك النظر في القرآن ، واعتمد في ذلك على من تقدمه ، ووكل إليه النظر فيه ، غير ملوم. وله في ذلك سعة. إلا فيما لا بد منه ، وعلى حكم الضرورة. فإن النظر فيه يشبه النظر في القياس. وما زال السلف الصالح يتحرجون من القياس فيما لا نص فيه. وكذلك وجدناهم في القول في القرآن. فإن المحظور فيهما واحد. وهو خوف التقوّل على الله. بل القول في القرآن أشد. فإن القياس يرجع إلى نظر الناظر. والقول في القرآن يرجع إلى أن الله أراد كذا أو عنى كذا ، بكلامه المنزل ، وهذا عظيم الخطر.
ومنها أن يكون على بال من الناظر ، والمفسر ، والمتكلم عليه ، أن ما يقوله تقصيد منه للمتكلم. والقرآن كلام الله. فهو يقول بلسان بيانه : هذا مراد الله من هذا الكلام. فليتثبت أن يسأله الله تعالى : من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد. وإلا ، فمجرد الاحتمال يكفي بأن يقول : يحتمل أن يكون المعنى كذا وكذا. بناء أيضا على صحة تلك الاحتمالات في صلب العلم. وإلّا ، فالاحتمالات