وبينت السنة منه ما يحتذي حذوه فرجع إلى تفسير ما أجمل من الكتاب. وما فسّر من ذلك في الكتاب ، فالسنة لا تعدوه ولا تخرج عنه. وقسم التحسينيات جار أيضا كجريان الحاجيات. فإنها راجعة إلى العمل بمكارم الأخلاق. وما يحسن في مجاري العادات كالطهارات بالنسبة إلى الصلوات ، على رأي من رأى أنها من هذا القسم ، وأخذ الزينة من اللباس ومحاسن الهيئات والطّيب وما أشبه ذلك. وانتخاب الأطيب والأعلى في الزكوات والإنفاقات وآداب الرفق في الصيام. وبالنسبة إلى النفوس كالرفق والإحسان. وآداب الأكل والشرب ونحو ذلك. وبالنسبة إلى النسل كالإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان من عدم التضييق على الزوجة وبسط الرفق في المعاشرة وما أشبه ذلك. وبالنسبة إلى المال كأخذه من غير إشراف نفس ، والتورّع في كسبه واستعماله والبذل منه على المحتاج وبالنسبة إلى العقل كمباعدة الخمر ومجانبتها ، وإن لم يقصد استعمالها ، بناء على أن قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة : ٩٠] ، يراد به المجانبة بإطلاق.
فجميع هذا له أصل في القرآن بيّنه الكتاب على إجمال أو تفصيل أو على الوجهين معا. وجاءت السنة قاضية على ذلك كله بما هو أوضح في الفهم وأشفى في الشرح.
وإنما المقصود هنا التنبيه. والعاقل يتهدى منه لما لم يذكر مما أشير إليه وبالله التوفيق.
ومنها النظر إلى مجال الاجتهاد الحاصل بين الطرفين الواضحين. ومجال القياس الدائر بين الأصول والفروع وهو المبين في دليل القياس.
ولنبدأ بالأول : وذلك أنه يقع في الكتاب النص على طرفين مبينين فيه أو في السنة. كما تقدم في المأخذ الثاني. وتبقى الواسطة على اجتهاد. والتباين لمجاذبة الطرفين إياها ، فربما كان وجه النظر فيها قريب المأخذ فيترك إلى أنظار المجتهدين. وربما يعد على الناظر أو كان محل تعبّد لا يجري على مسلك المناسبة. فيأتي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيه البيان ، وأنه لاحق بأحد الطرفين. أو آخذ من كل واحد منهما بوجه احتياطيّ أو غيره. وهذا هو المقصود هنا.
ويتضح ذلك بأمثلة : أحدها أن الله تعالى أحل الطيبات وحرّم الخبائث. وبقي بين هذين الأصلين أشياء يمكن لحاقها بأحدهما. فبين عليهالسلام في ذلك ما