فالأول : قوله «الحلال (١) بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ...» الحديث.
ومن الثاني : قوله في حديث عبد الله بن زمعة (٢) «واحتجبي منه يا سودة» لما رأى من شبهه بعتبة ..» الحديث. وفي حديث عديّ بن حاتم في الصيد «فإن اختلط بكلابك كلب من غيرها فلا تأكل. لا تدري لعله قتله الذي ليس منها» وقال في بئر (٣) بضاعة ، وقد كانت تطرح فيها الحيض والعذرات «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء» فحكم بأحد الطرفين وهو الطهارة. وجاء في الصيد (٤) «كلّ ما أصميت ودع ما أنميت» وقال في حديث عقبة بن الحارث في الرضاع (٥) ، إذ أخبرته المرأة السوداء بأنها أرضعته والمرأة التي أراد تزوجها. قال فيه «كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما ، دعها عنك» إلى أشياء من هذا القبيل كثيرة.
والسادس : أن الله عزوجل حرم الزنى وأحل التزويج وملك اليمين. وسكت عن النكاح المخالف للمشروع ، فإنه ليس بنكاح محض ولا سفاح محض. فجاء في السنة ما بيّن الحكم في بعض الوجوه حتى يكون محلا لاجتهاد العلماء في إلحاقه بأحد الأصلين مطلقا ، أو في بعض الأحوال. وبالأصل الآخر في حال آخر ، فجاء في
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه. عن عامر قال : سمعت النعمان بن بشير يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حمى. ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب».
(٢) أخرجه البخاري في العتق ، باب أم الولد. عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة. قال عتبة : إنه ابني. فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم زمن الفتح أخذ سعد ابن وليدة زمعة. فأقبل به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأقبل معه بعبد بن زمعة. فقال سعد : يا رسول الله! هذا ابن أخي. عهد إليّ أنه ابنه. فقال عبد بن زمعة : يا رسول الله! هذا أخي ، ابن وليدة زمعة ، ولد على فراشه. فنظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه الناس به (أي بعتبة) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هو لك يا عبد بن زمعة» من أجل أنه ولد على فراش أبيه. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «احتجبي منه يا سودة بنت زمعة» مما رأى من شبهه بعتبة. وكانت سودة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٣) أخرجه أبو داود في الطهارة ، باب ما جاء في بئر بضاعة ، حديث ٦٦. عن أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنتوضأ من بئر بضاعة ـ وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الماء طهور لا ينجّسه شيء» ..
(٤) أخرجه الطبراني في كشف الخطأ ، حديث ١٩٥٧ ، عن ابن عباس.
(٥) أخرجه البخاري في النكاح ، باب شهادة المرضعة.