النّساء في أحد العوضين يقتضي الزيادة ويدخل فيه بحكم المعنى «السلف يجر نفعا». وذلك لأن بيع هذا الجنس بمثله في الجنس من باب بدل الشيء بنفسه. لتقارب المنافع فيما يراد منها. فالزيادة على ذلك من باب إعطاء عوض على غير شيء ، وهو ممنوع. والأجل في أحد العوضين لا يكون عادة إلا عند مقارنة الزيادة به في القيمة. إذ لا يسلم الحاضر في الغائب إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة. وهو الزيادة. ويبقى النظر : لم جاز مثل هذا في غير النقدين والمطعومات ، ولم يجز فيهما؟ محل نظر. يخفى وجهه على المجتهدين. وهو من أخفى الأمور التي لم يتضح معناها إلى اليوم. فلذلك بينتها السنة. إذ لو كانت بينة لو كل في الغالب أمرها إلى المجتهدين ، كما وكل إليهم النظر في كثير من محال الاجتهاد. فمثل هذا جار مجرى الأصل والفرع في القياس. فتأمله.
والثاني : أن الله تعالى حرم الجمع بين الأم وابنتها في النكاح ، وبين الأختين. وجاء في القرآن : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء : ٢٤] ، فجاء نهيه عليهالسلام عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس ، لأن المعنى الذي لأجله ذمّ الجمع بين أولئك موجود هنا. وقد يروى في هذا الحديث «فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» (١). والتعليل يشعر بوجه القياس.
والثالث : أن الله تعالى وصف الماء الطهور بأنه أنزله من السماء ، وأنه أسكنه في الأرض ولم يأت مثل ذلك في ماء البحر. فجاءت السنة بإلحاق ماء البحر بغيره من المياه بأنه
«الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته» (٢).
والرابع : أن الدية في النفس ، ذكرها الله تعالى في القرآن. ولم يذكر ديات الأطراف. وهي مما يشكل قياسها على العقول. فبيّن الحديث من دياتها ما وضح به السبيل وكأنه جار مجرى القياس الذي يشكل أمره. فلا بد من الرجوع إليه ، ويحذى حذوه.
والخامس : أن الله تعالى ذكر الفرائض المقدرة من النصف والربع والثمن والثلث والسدس. ولم يذكر ميراث العصبة إلا ما أشار إليه قوله في الأبوين : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) [النساء : ١١] الآية وقوله في الأولاد : (لِلذَّكَرِ
__________________
(١) أخرج البخاري في النكاح ، باب لا تنكح المرأة على عمتها : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها».
(٢) أخرجه أبو داود في الطهارة ، باب الوضوء بماء البحر ، حديث ٨٣ ..