المردفة الموصلة ، ولا يحب الذوق السليم إلا تلك الحلاوة المحضة ، لا الطويل والمديد من البحور.
لما أراد حضرة الخلّاق أن يكلم الإنسان ، الذي هو قبضة من التراب ، نظر إلى ذلك الحسن الإجماليّ لا إلى قوالب مستحسنة عند قوم دون قوم ، ولما أراد مالك الملك أن يتكلم على منهج الآدميين ، ضبط ذلك الأصل البسيط ، لا هذه القوانين المتغيرة بتغير الأدوار والأطوار. ومنشأ التمسك بالقوانين المصطلح عليها هو العجز والجهل ، وتحصيل الحسن الإجماليّ ، بلا توسط تلك القواعد بحيث لا يفوت في الأغوار والأنجاد من البيان شيء ، ولا يضيع في كل سهل وجبل من الكلام معجز ومفحم.
وأنا أنتزع هنا من جريان الحق سبحانه وتعالى على ذلك السنن أصلا. وأنتقل إلى قاعدة. وتلك القاعدة أنه اعتبر في أكثر السور امتداد الصوت ، لا الطويل والمديد من البحور مثلا ، واعتبر في الفواصل انقطاع النفس بالمدة ، وما تعتمد عليه المدة ، لا قواعد فن القوافي ، وهذه الكلمة أيضا تقتضي بسطا. فاستمع لما أقول :
تردّد النّفس في قصبة العنق من جبلة الإنسان. وإن كان تطويل النفس وتقصيره من مقدور البشر. لكن إذا خلّي وطبعه فلا بد من امتداد محدود. فيحصل في أول خروج النفس نشاط ، ثم يضمحل ذلك النشاط تدريجا حتى ينقطع في آخر الأمر. فيحتاج إلى إعادة نفس جديد. وهذا الامتداد أمر محدود بحدّ مبهم. ومقدر بمقدار منتشر لا يتجاوز نقصانه كلمتين ، بل لا يتجاوز الثلث والربع ، والزيادة لا تتجاوز كلمتين ، بل لا تتجاوز الثلث والربع من ذلك الحد. ويسع ذلك اختلاف عدد الأوتاد والأسباب وتقدم بعض الأركان على بعض ، فجعل لامتداد النفس وزن معلوم. وقسم ذلك على ثلاثة أقسام : طويل ومتوسط وقصير.
أما الطويل فنحو سورة النساء ، وأما المتوسط فنحو سورة الأعراف والأنعام ، وأما القصير فنحو سورة الشعراء وسورة الدخان ..
وتمام النفس يعتمد على مدة معتمدة على حرف قافية متسعة يوافقها ذوق الطبع ، ويتلذذ من إعادتها مرة بعد أخرى ، وإن كانت المدة ، في موضع ، ألفا ، وفي موضع آخر ، واوا أو ياء. وسواء كان ذلك الحرف الأخير باء في موضع ، أو جيما. أو قافا في موضع آخر ، (فَيَعْلَمُونَ) و (مُؤْمِنِينَ) و (مُسْتَقِيمٍ) متوافقة. و (خُرُوجٍ) و (مَرِيجٍ) و (تَحِيدُ) و (تبار) و (فَواقٍ) و (عُجابٌ) كلها على قاعدة. وكذلك لحوق الألف في آخر الكلام قافية متسعة ، في إعادتها لذة. وإن كان حرف