ولا يخرجون ـ لإظهار البراعة في تحصيلها ـ عن حدّ الإكثار من القول ، واختراع الوجوه من التأويل ، والإغراب في الإبعاد عن مقاصد التنزيل. إن الله تعالى لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال الناس ، وما فهموه ، وإنما يسألنا عن كتابه الذي أنزله لإرشادنا وهدايتنا ، وعن سنة نبيه الذي بيّن لنا ما نزل إلينا (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤]. يسألنا : هل بلغتكم الرسالة؟ هل تدبّرتم ما بلّغتم؟ هل عقلتم ما عنه نهيتم وما به أمرتم؟ وهل عملتم بإرشاد القرآن. واهتديتم بهدي النبيّ ، واتبعتم سنته؟
عجبا لنا! ننتظر هذا السؤال ، ونحن في هذا الإعراض عن القرآن وهديه ...! فيا للغفلة والغرور.
معرفتنا بالقرآن كمعرفتنا بالله تعالى. أول ما يلقّن الوليد عندنا من معرفة الله تعالى هو اسم «الله» تبارك وتعالى ، يتعلمه بالأيمان الكاذبة ، كقوله : والله لقد فعلت كذا وكذا ، والله ما فعلت كذا ... وكذلك القرآن! يسمع الصبيّ ممن يعيش معهم : أنه كلام الله تعالى ، ولا يعقل معنى ذلك ، ثم لا يعرف من تعظيم القرآن إلا ما يعظمه به سائر المسلمين الذين يتربّى بينهم ، وذلك بأمرين :
أحدهما : اعتقاد أنّ آية كذا إذا كتبت ومحيت بماء وشربه صاحب مرض كذا ، يشفى! وأنّ من حمل القرآن لا يقربه جنّ ولا شيطان! ويبارك له في كذا وكذا ... إلى غير ذلك مما هو مشهور ومعروف للعامة أكثر مما هو معروف للخاصة ...! ومع صرف النظر عن صحة هذا وعدم صحته ، نقول : إنّ فيه مبالغة في التعظيم عظيمة جدا ، ولكنها ـ ويا للأسف ...! ـ لا تزيد عن تعظيم التراب الذي يؤخذ من بعض الأضرحة ابتغاء هذه المنافع والفوائد نفسها ..! ونحو هذا ما يعلق على الأطفال من التعاويذ والتناجيس : كالخرق ، والعظام ، والتمائم المشتملة على الطلسمات والكلمات الأعجمية المنقولة عن بعض الأمم الوثنية ...!
هذا الضرب من تعظيم القرآن نسميه ـ إذا جرينا على سنة القرآن ـ عبادة للقرآن لا عبادة لله به!
ثانيهما : الهمزة ، والحركة المخصوصة ، والكلمات المعلومة .... التي تصدر ممن يسمعون القرآن إذا كان القارئ رخيم الصوت ، حسن الأداء ، عارفا بالتطريب على أصول النغم ..
والسبب في هذه اللذة والنشوة هي حسن الصوت والنغم ، بل أقوى سب