بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى :
(الم) (١)
أعلم أن للناس في هذا وما يجرى مجراه من الفواتح مذهبين :
الأول أن هذا علم مستور ، وسرّ محجوب ، أستأثر الله تبارك وتعالى به فهو من المتشابه. ولم يرتض هذا كثير من المحققين وقالوا : لا يجوز أن يرد في كتاب الله تعالى ما لا يكون مفهوما للخلق. واحتجوا بأدله عقلية ونقلية ، بسطها العلامة الفخر.
(المذهب الثاني) مذهب من فسرها ، وتكلم فيما يصح أن يكون مرادا منها ، وهو ما للجمهور. وفيه وجهان : (الأول) وعليه الأكثر : أنها أسماء للسور.
(الثاني) أن يكون ورود الأسماء هكذا مسرودة على نمط التعديد : كالإيقاظ وقرع العصا لمن تحدّى بالقرآن وبغرابة نظمه ، وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلوّ عليهم ـ وقد عجزوا عنه عن آخرهم ـ كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ، ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا أن لم تتساقط مقدرتهم دونه ، ولم تظهر معجزتهم عن أن يأتوا بمثله ـ بعد المراجعات المتطاولة ـ وهم أمراء الكلام ، وزعماء الحوار ، وهم الحراص على التساجل في اقتضاب الخطب ، والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز ، ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بزت بلاغة كلّ ناطق ، وشقت غبار كلّ سابق ، ولم يتجاوز الحدّ الخارج من قوى الفصحاء ، ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء إلّا لأنه ليس بكلام البشر ، وإنه كلام خالق القوى والقدر. قاله الزمخشريّ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢)
أي : هذا القرآن لا شك أنه من عند الله تعالى كما قال تعالى في السجدة (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [السجدة : ١ ـ ٢]. قال بعض المحققين : اختصاص ذلك بالإشارة للبعيد حكم عرفيّ لا وضعيّ ، فإن العرب تعارض بين اسمي الإشارة. فيستعملون كلا منهما مكان الآخر ، وهذا معروف في كلامهم. وفي التنزيل من ذلك آيات كثيرة. ومن جرى على أن ذلك إشارة للبعيد يقول : إنما