الكفر والعداوة. وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم. بحقن الدماء وحصن الأمول وغير ذلك. وادّخار العذاب الأليم ، والمآل الوخيم ، وسوء المغبّة لهم ، وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم. لكن الفرق بين الخداعين : أن خداعهم لا ينجح إلّا في أنفسهم. بإهلاكها ، وتحسيرها ، وإيراثها الوبال والنكال ـ بازدياد الظلمة ، والكفر ، والنفاق ، واجتماع أسباب الهلكة ، والبعد والشقاء ، عليها ـ وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير ، ويوبقهم أشد إيباق ، كقوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [آل عمران : ٥٤] ، وهم ـ من غاية تعمّقهم في جهلهم ـ لا يحسون بذلك الأمر الظاهر.
وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو (وما يخادعون) بالألف.
قال ابن كثير : نبه الله سبحانه على صفات المنافقين ، لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض ـ من عدم الاحتراز منهم ، ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفّار في نفس الأمر ـ وهذا من المحذورات : أن يظنّ بأهل الفجور خير. ثم إن قول من قال : كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين ـ إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان (١) في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا ـ في غزوة تبوك ـ الذين همّوا أن يفتكوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك ، عزموا على أن ينفّروا به الناقة ، ليسقط عنها ، فأوحى الله إليه أمرهم ، فأطلع على ذلك حذيفة.
فأما غير هؤلاء ، فقد قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ) [التوبة : ١٠١] الآية. وقال تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) ففيها دليل على أنه لم يغربهم ولم يدرك على أعيانهم ، وإنما كان تذكر له صفاتهم ، فيتوسمها في بعضهم ، كما قال تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٠]. وقد كان من أشهرهم بالنفاق ، عبد الله بن أبيّ بن سلول.
واستند ـ غير واحد من الأئمة ـ في الحكمة عن كفّه صلىاللهعليهوسلم عن قتل المنافقين ، بما ثبت في الصحيحين أنه صلىاللهعليهوسلم قال لعمر رضي الله عنه «أكره أن يتحدّث العرب أنّ
__________________
(١) أخرجه الإمام مسلم في : صفات المنافقين وأحكامهم ، حديث ٩ و ١٠ و ١١.