محمدا يقتل أصحابه» (١). ومعناه خشية أن يقع بسبب ذلك تنفير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ، ولا يعلمون حكمة قتلهم ـ بأنّه لأجل كفرهم ـ فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم ، فيقولون : إن محمدا يقتل أصحابه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠)
المرض : السقم ، وهو نقيض الصحة ، بسبب ما يعرض للبدن ، فيخرجه عن الاعتدال اللائق به ، ويوجب الخلل في أفاعيله ، استعير هاهنا لعدم صحة يقينهم ، وضعف دينهم ـ وكذا توصف قلوب المؤمنين بالسلامة التي هي صحة اليقين ، وعدم ضعفه ، كما قال تعالى : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٩] أي : غير مريض بما ذكرنا ـ أو استعير لشكّهم ، لأن الشك تردّد بين الأمرين ، والمنافق متردّد ، كما في الحديث «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين» (٢) والمريض متردّد بين الحياة والموت.
(فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بأن طبع على قلوبهم ، لعلمه تعالى بأنّه لا يؤثر فيها التذكير والإنذار.
وقال القاشانيّ : أي مرضا آخر ـ حقدا وحسدا وغلا ـ بإعلاء كلمة الدين ، ونصرة الرسول والمؤمنين ـ ثم قال : والرذائل كلها أمراض القلوب ، لأنها أسباب ضعفها وآفتها في أفعالها الخاصة ، وهلاكها في العاقبة.
(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم ـ بكسر اللام ـ فعيل بمعنى فاعل ـ كسميع ـ وبصير ـ
قال في المحكم : الأليم من العذاب الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ. ومنه. يعلم
__________________
(١) يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في : الزكاة ، حديث ١٤٢ ونصه : عن جابر بن عبد الله قال : أتى رجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالجعرانة ، منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة. ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقبض منها. يعطي الناس. فقال : يا محمد ، اعدل. قال «ويلك ، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت ، إن لم أكن أعدل» فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : دعني ، يا رسول الله ، فأقتل ، هذا المنافق. فقال «معاذ الله ، أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن ، لا يجاوز حناجرهم. يمرقون منه كما يمرق السهم من الرميّة».
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه في : صفات المنافقين وأحكامهم ، حديث ١٧ ونصه : عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين. تعير إلى هذا مرة ، وإلى هذا مرة».