وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) يفهم منه أن جميع الناس سواء ، ولهذا قال عمر : ما أرى هذه الآية إلا قد عمت جميع الخلق ، حتى الراعي.
والأئمة ـ عليهمالسلام ـ جعلوا ما فتح من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب للإمام ، وقالوا : إن فدك ونحوها كانت لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) جعلهم داخلين في اسم الفقراء ، وإن كانت لهم ديار وأموال ، وفي ذلك دلالة على أن من غصب ماله جاز له أخذ الزكاة ، ودخل في اسم الفقراء ، وهذا على أصل المؤيد بالله والشافعي ، أن الكفار لا يملكون علينا ، ولكن قد صاروا كالفقراء بدليل أنه تعالى أضاف الديار والأموال إليهم.
وأما مذهب الهادي عليهالسلام وأحد قولي المؤيد بالله فقد ملك الكفار أموالهم ؛ لأن الكافر يملك ما قهر على المسلمين.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أراد التي كانت لهم قبل أن تملك بالقهر ، وتدل الآية على ثبوت الهجرة ، وأن للمهاجر مزية لكونه اختار ما عند الله على بيته وماله ، ورضي بالغربة والفقر ، وأن نصرة المسلمين من الأمور التي تثبت لصاحبها التقدم في الدنيا والآخرة ، ثم إنه تعالى عقب بذكر الأنصار فقال تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) أراد : بهم الأنصار ، وأراد وأخلصوا الإيمان ، أو : وجعلوا الإيمان مستقرا وموطنا ، وبين تعالى خلالهم في معرض الثناء فقال تعالى : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) أي : طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره ، والمحتاج إليه يسمى حاجة ، يقال : أعطاه من ماله حاجته (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) والخصاصة : الإملاق ، والثلمة ، والفرجة ، ومنه خصاص البيت وهي الفروج في بيت القصب ، قال الشاعر :