أعربوه حالا ، ولا يرد عليه أن الشيخ في دلائل الإعجاز صرح بأن الموصوف يوصف إذا توجه نحو الإنكار ، لا يلزم ثبوت الإنكار عليه مع عدم ذلك الوصف ، مثاله قولنا : مالك يضرب زيدا ، وعمرو حاضر ، فلا يلزم منه إنكار ضربه مع غيبة عمرو عنه ، وهنا في الآية أنكر عليهم عدم الإيمان مع الرسول داعيا لهم ، ولا يلزم منه ذلك مع عدم الدعوة ، فالجواب : أن الرسالة لما كانت لازمة الإيمان لا ينفك عنه لم يتصور حصول إيمان بدونها ، الزمخشري : الرسول يدعوكم إليه وينهاكم عليه ، انتهى ، اعتزل في لفظ ينهاكم ، لأنه يقول : أن العقل وحده لا يستقل بالدلائل على معرفة الله تعالى مع السمع ، ونحن نقول : واحد منهما دليل على ذلك مستقل ، فجعل هنا السمع منبها على ما فات العقل ، ومذكرا لما نقصه.
قوله تعالى : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ).
الزمخشري : حيث ركبت فيكم العقول وقصد [٧٤ / ٣٦٦] لكم الأدلة ، ومكنكم النظر ، وأزاح عللكم فما لكم لا تؤمنون ، ابن عطية : أخذ عليكم العهد حين الإخراج من ظهر آدم يوم قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [سورة الأعراف : ١٧٢] ، انتهى ، هذا ظاهر من لفظ الميثاق بعيد من المعنى ، والأول ظاهر في المعنى بعيد من لفظ الميثاق ، ونقل الفخر هذا التفسير عن عطاء ، ومجاهد ، والكلبي ، وضعفه بأنه تعالى ذكر أخذ الميثاق عليهم إبطالا لما قد يعتذرون به عن عدم الإيمان ، وأخذ الميثاق حين الإخراج من ظهر آدم لا تعلم إلا بقول الرسول ، فقيل : معرفة صدق الرسول لا يكون ذلك سببا في وجوب تصديق الرسول ، أما نصب الدلائل فمعلوم لكل أحد ، فإن قلت : ما قاله ابن عطية يلزم عليه الدور ، فإن أخذ عليهم في ظهر آدم إنما علموه من السمع لا من العقل ، وهم يكذبون للسمع مخالفون فيه فالجواب : بأن ذلك إنما يلزم أن لو قيل لهم وما لكم لا تؤمنون بالله ورسوله ، وهم إنما وبخوا على ترك الإيمان بالله حالة دعاء الرسول لهم ، وإعلامه إياهم بتقدم وأخذ العهد عليهم يوم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [سورة الأعراف : ١٧٢] ، الطيبي : ويحتمل أن يريد أخذ ميثاقكم جميعكم إياه على السمع والطاعة والخطاب للمؤمنين ، انتهى ، وقرأ الجمهور أخذ مبنيا للفاعل ، وقرأ أبو عمرو مبنيا للمفعول ، ابن عطية : والمخاطبة بالبناء للمفعول أشد غلظة على المخاطب ، ونحوه قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [سورة هود : ١١٢] ، وكما تقول لا تفعل ما قيل لك ، فهو أبلغ من قولك افعل ما قلت لك ، انتهى ، بل الصواب لعكس بدليل أن ابن الحاجب : إذا أراد ترى من قول يقول قالوا : كذا وكذا ، وإذا ارتضاه يقول قولنا : كذا.