قوله تعالى : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ).
إن قلت : هذا الحصر تخرج عنه الأم من الرضاعة ، وزوجات النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، لأنهن أمهات المؤمنين شرعا ، لأنكم قلتم : المراد بالأمهات في الآية حكما لا نسبا ، فالجواب : أن تقول أن هذا الحصر عام مخصوص بما ذكروا أكثر عمومات القرآن مخصوصة ، أو تقول إنه عام خرج على سبب فيقصر عليه لكن المشهور أن العلم الدال على سبب لا يجب قصره عليه ، وأجيب أيضا : بأن يكون هذا قبل نزول آية الرضاع ، وقيل : نزول قوله (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [سورة الأحزاب : ٦] ، ورد بأن آية الرضاع مكية ، وأيضا فهذا خبر ، والخبر لا ينسخ ، وأجيب : بأنه خبر تضمن حكما شرعيا فيصح نسخه ، ورد بأنه لا ينسخ الخبر مطلقا ، فإن قلت : الظاهر شبه الزوجة بالأم ، ولم يجعلها أما حقيقة ، فهلا قيل : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ، قلت : التشبيه في اللفظ والمقصود في المعنى لتسوية الزوجة بالأم في التحريم وتنزيلها منزلتها ، فأتت الآية ردا على اعتقادهم.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً).
الزمخشري : وزورا ، أي كذبا باطلا منحرفا عن الحق ، الفخر : الظاهر شبه زوجته بأمه ، ولم يجعلها هي ، فكيف قيل : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ، وكذب في قوله ، ثم أجاب : بأن لفظة إن كان خبرا فالكذب في تشبيه المتحللة بالمحرمة في الخطيئة والحرمة ، وإن كان إنشاء ، فمعناه أن الشرع جعل الظهار سببا في حصول الحرمة ، فلما لم يرد الشرع بهذا التشبيه ، كان جعله إنشاء في وقوع هذا الحكم كذبا ، انتهى ، الظهار إنشاء لأنه لا يثبت معناه إلا به ، والتكذيب من عارض الخبر ، لا من عوارض الإنشاء ، فحينئذ تقول : الظهار إنشاء ولا شيء من الإنشاء بكذب ، فلا شيء من الكذب بظهار ، ثم يضم له مقدمة أخرى ، فتقول : الظهار زور بمقتضى هذه الآية ، ولا شيء من الزور بظهار بمقتضى المقدمة الأولى ، فينتج لا شيء من الظهار ، والجواب : بأن الظهار له اعتباران فهو باعتبار التشبيه ، خبر يعرض له التصديق ، والتكذيب باعتبار التزام مقتضى التشبيه هو إنشاء لا يقبل تصديقا ولا تكذيبا ، يرد بأنه يلزم عليه الجمع بين الضدين ، فإما أن يجعله إنشاء مجردا أو خبرا ، والجواب : بأن الظهار كان في الجاهلية قبل نزول هذه الآية موجبا للتحريم ، فتركت الآية ردا على اعتقاد ذلك ، وإن وضع الظهار أو التحريم ليس بحكم شرعي ، فلا يلزمه الشرع فيه ما التزمه من التحريم ، وإذا لم يلزمه ذلك فيه خرج عما وصفه له ، فبطل فيه حكم الإنشاء فيصح تعلق التكذيب به ، وإما تعهد نزولها فالظهار لازم لمن التزمه فهو إنشاء لا خبر يرد بأنه يلزم ذلك في هذه القصة