الطبري وغيره : أراد الأنبياء الذين كانوا في عصره وقريبا من عصره ، وهذا القول أرجح التأويل ، لأنه لم يروا أن إبراهيم كان له أتباع مؤمنون في مكافحتهم نمرود ، وفي البخاري أنه قال لسارة حين رحل بها إلى الشام مهاجرا إلى بلاد النمرود : ما على الأرض من يتعبد الله غيري وغيرك ، قيل : لعل المراد من آمن به بعد ذلك ، قيل : الأصل استصحاب الحال ، وأنه لم يكن معه أحد قبل الأنبياء كانوا في زمانه مثل نوح ولوط ، فصدق أنهم معه على دينه لأنهم قوم [٧٧ / ٣٨١] ويحتمل أن المراد بالمعينة المقارنة في الإيمان لا في الزمان ، قيل : من اتبعه وأتى بعده من الأنبياء وفوقهم معه.
قوله تعالى : (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ).
كالتأكيد لما قبله ، لأنهم إنما تبرءوا منهم لأجل عبادتهم غير الله ، فإذا تبرءوا منهم لأجل شركتهم فأحرى أن يتبرءوا من معبودهم الذي أشركوه مع الله تعالى.
قوله تعالى : (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ).
العداوة هي الانقطاع ، وتكون بين المتحابين وبين المتباغضين ، فقد تنقطع الوصلة بين المتحابين بالسفر ونحوه ، وقد تنقطع وينشأ عنها التقابل وقد لا ينشأ ، والبغضاء هي الكراهية القلبية سواء إن كانت مع المواصلة أو مع الانقطاع ، فقد تكره الشخص وأنت تواصله في الظاهر ، فإن قلت : إذا كانت البغضاء من الأمر القلبي ، فكيف وصفها بالظهور؟ فقال : وبدا بيننا وبينكم ، فالجواب : بما قال ابن التلمساني في الأمور القلبية : أنها قد تعرف بأمارات تظهر دليلا عليها كحمرة الخجل وصفوه.
قوله تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ).
مستثنى العداوة والبغضاء.
قوله تعالى : (عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا).
تقديم المجرور للتشريف ، والاعتناء للاختصاص ، لأنه مستفاد من مادة التوكل ، وقال صاحب لحن العوام من لحنهم : قولهم : توكلت عليك وعلى الله ، وإنما يقال : توكلت على الله ثم عليك ، قال شيخنا : الصواب أنه لا يطلق التوكل على المخلوق بوجه ، والإنابة هي اعتقاد التوحيد والإيمان بالقلب والتوكل متأخر عن ذلك ، لأنه إنما يكون بعد النظر في الحوادث ، وفي الأمور الدنيوية بخلاف الإنابة ، لأنها متقدمة والمعبر المرجع متأخر عن الجميع ، فهلا قدمت النيابة ووسط التوكل؟ والجواب : أن المراد بالإعانة الانتقال من مقام إلى مقام ، إن قلت : إنه من كلام إبراهيم عليهالسلام ، وإن قلنا : أنه من كلامنا بمعنى قول (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) ، فإن قلت : المراد بالإنابة