دخول التبشير في معنى التفسير ، وقد يكون معطوفا على أمر مقدر يدل عليه المعنى فافعل كذا أو كذا كما قيل (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [سورة مريم : ٤٦] ، قال السكاكي : الأمر معطوف على قل مقدر ، قيل : (يا أَيُّهَا) وحذف القول كثير ، وقيل : معطوف على أمر محذوف تقديره نبشر ، كما قال الزمخشري : في (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [سورة مريم : ٤٦] لدلالة لا رحمتك على التهديد.
قوله تعالى : (كُونُوا أَنْصارَ اللهِ).
تقدم في قوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) [سورة الصف : ١٠] ، طلب الإيمان والجهاد بالأنفس والأموال ، وهذا هنا أكد لأن ذلك أمر بمطلق الجهاد والمجاهد قسمان : تارة يجاهد ليرفع العدو عنه ، وتارة يجاهد ليطلب النصرة عليه ، فهذا يكون قتاله وامتحانه في الحرب أشد من الأول ، فأمروا في هذه الآية بالجهاد لطلب النصرة ، وعبر بالفعل ليتناول الأمر كل من حصل مطلق الإيمان ، وكونوا المراد به الدوام ويستفاد ذلك من صيغة الأمر ، ومن لفظ كان ، فإن الباجي والمنطقيين نصوا على أنها [...] لما ذكروها في الروابط ، فجاءت الآية على الوجه الأبلغ لاقتضائها الثبوت والدوام على النصرة ، حتى كأنه وصف وأتى بخلاف قولنا : انصروا فإنه لا يقتضي إلا مطلق إدخال الفعل في الوجود ، ولا دلالة على اللزوم والدوام بوجه ، وقرئ أنصار الله بالإضافة ، وهو أبلغ من عدم الإضافة لأن نصرة الله أقوى من نصرة غيره ، وهذا مجاز واعتناء النبي صلىاللهعليهوسلم وبالمؤمنين ، فجعلت نصرتهم له كأنها لله ، مع أن الله تعالى هو فاعلها أو .... (١) عليها ، قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [سورة محمد : ٧] ، فإن قلت : كيف عليه نصرتهم بقول عيسى ، قلت : هو تشبيه معنوي على حذف القول ، والتقدير : قلنا لكم ذلك كما قال عيسى ابن مريم للحواريين ، وأشار إليه أبو حيان ، وقرر الزمخشري التشبيه ، لأن معناه كونوا أنصار الله كما قال الحواريون : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ، حين قال لهم عيسى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ، في التشبيه ، ولم يقل : انصروني فبادر الحواريون إلى امتثال ذلك ، والمؤمنون طلب منهم النصرة بلفظ الأمر المقتضي للوجوب ، فحقهم أن يبادروا إلى امتثال بل هم أجدر للمبادرة ، وقول الحواريون : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ، بالإضافة أبلغ من طلب عيسى منهم ، ومعناه نحن أنصار الله لك أو مع خلانك ، ولم قالوا : نحن أنصارك إلى الله لكان مفهومه أنهم لا ينصرون غيره إلى الله.
__________________
(١) طمس في المخطوطة.