قوله تعالى : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ).
قرئ بالنون ونصب الأعز على الاختصاص مثل" نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ، ونصب الأذل على أنه حال ، ومعنى هذه القراءة إن رجعنا إلى المدينة تحت طاعة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وتركنا [...] ومعاندته [...] بعد كوننا أعزاء.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ).
هذا التشريف من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين ، حيث ذكرهم مع اسمه وشركهم معه في العزة ، وهي هنا إما صفة نقل ، أو صفة معنى ، إما مشتركة أو للقدر المشترك وهذا بالنسبة إلى عزة الله وعزة النبوة والمؤمنين ، وأما كونها نقلية أو معنوية فهو مشتركة لا للقدر المشترك ، وجعل البيانيون هذا من القول الموجب ، وهو تسليم الدليل مع بقاء الخلاف بعده ، كما كان قبله وهو من القسم الثالث فيه ، والصواب أنه من قلب النكتة ، وهو تعليق دعوى المعترض على عين دليل المستدل ، لأنه لم يبق خلاف هنا ، بل دعواهم أن الأعز يخرج الأذل صحيح ، وهم الأذلاء ونحن الأعزة.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ).
خص هذا بيعلمون ، والأول بيفقهون ، لأن الفقه في اللغة فهم الأشياء الدقيقة ، والعلم أعم منه لأن كون العزة لله ولرسوله معلوم بالضرورة فالمنازع فيه لا علم له ، فضلا عن أن يكون له فقه ، فهو مسلوب عنهم العلم فكأنهم مجانين لا عقول لهم ، وإن كانوا يعلمون بعض العلم ، كقولك : أكلت شاة كل شاة ، مع أنها ليست هي الكل ويجاب أيضا بأن قولهم (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) ، لا يصدر إلا بعد تأويل وتدبر ، فناسب الفقه ؛ لأنه يعم الأشياء الدقيقة ، وقولهم (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) ، حكم على الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، فناسب نفي العلم.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
ابن عطية : قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل فقرأ (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقال الحسن : خزائن السماوات الغيوب ، وخزائن الأرض القلوب انتهى ، فعقب ابن الجوزي هذا في تلبيس إبليس فقال : قيل لعبد الله [...] : الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا عدة ، ويزعمون أنهم متوكلون فيموتون ، قال : هذا فعل رجال الجن فأنكره ابن الجوزي [٧٨ / ٣٨٦] [...] ، وليس التوكل ترك الأسباب ، وقد تزود رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، لما خرج إلى الغار ، وتزود موسى