قوله تعالى : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ).
وقال في سورة هود (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [سورة هود : ١٠٥] ، فأعاد المجرور هنا ولم يعده هناك ، والجواب : أن المؤمنين هنا مخاطبون لقوله تعالى : (فَمِنْكُمْ) ، فقصد كمال الفصل ، لأنه بينهم وبين الكفار ، لأنه من تمام الاعتناء بهم وتعظيمهم وتشريفهم بإفراد حكمهم ، وهم هناك غائبون غير مقبل عليهم ، فلم يحتج إلى الفصل بل جاء على الأصل لأن حرف العطف ناب مناب تكرار الجار ، وذكر البيانيون : الجمع والتفريق ، ومثلوه بقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [سورة النور : ٤٥] الآية ، وهذه الآية منه ، وهو تقسيم مستوف إذ لا ثالث ، وقول ابن عطية : إن هذه الجملة في موضع الحال ، وهم لقول ابن مالك في آخر باب الحال : والجملة الحال لا تقترن بها الفاء ، فإن قلت : معلوم أن منهم المؤمن والكافر ، فما فائدة الإخبار بهذا؟ ، قلت : أفاد باعتبار لازمه ، أي كما تفقهون بأن خلقكم إنما هو بفعل الله ، فكذلك خلق صفاتكم من الكفر والإيمان ، ففيه رد على المعتزلة القائلين : بأن العبد يخلق أفعالة ، فإن قلت : كيف يفهم هذا من حديث : كل مولود يولد على الفطرة قلت : ليس المراد الإيمان الأصلي ، بل المراد الإيمان التكليفي ضد الكفر.
قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).
نجد اللفظ ورد في القرآن كثيرا مقرونا بقوله (بِالْحَقِّ) ، فإن قلت : ما أفاد مع أنه ظاهر في مذهب المعتزلة القائلين : بقاعدة التحسين والتقبيح ومراعاة الأصلح ، ووجه الدليل من الآية أن الحق يستحيل أن يراد به أمر راجع إلى إنكار خلق الله تعالى لهما لاستحالة النقص عليه ، فلم يبق أن يراد به إلا الأمر المصلح والحسن ، وهذا مذهب المعتزلة القائلين : بأن الله لا يفعل إلا الخير ولا يخلق الشر بوجه ، والجواب بأحد وجهين :
إما بأن معناه أنه خلقها مصاحبة لتصديقه لتطابق فعله ، وخلقه لها وإخباره تعالى في الأول بأنه سيخلقها بحكمة متقنة ، وقال الزمخشري : (بِالْحَقِّ) ، أي بالغرض الصحيح والحكمة البالغة ، وهو اعتزال على مذهبه الفاسد في التحسين والتقبيح ، ليسلم من نسبة النقص إلى إضافة النقص إلى الله تعالى ونحن لا نجعل الباء سببا على المصاحبة ، فإن قلت : قال (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، فأتى فيه بالفاء على المضمر المفيد للتحقير ، ولم يقل هنا (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) [سورة الأنعام : ٧٣] ، قلت : لمخالفة الحكماء في خلق الأنفس وفي الطبع والطبيعة دون هذا.