قوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ، ثم بنعمة النفع بالتأمين من الخسف ، ثم من إرسال الحاصب فهو ترقي ، لأن دفع المؤلم أكد من جلب الملائم.
قوله تعالى : (مَنْ فِي السَّماءِ).
فيه وجهين :
إما أنه من مجاز الأسماء ، والتقدير من السماء أمره ، لكن يلزم عليه حذف بعض الصلة.
وإما من مجاز التمثيل ، فيكون لفظ السماء كناية عن العلو ، أي آمنتم من أتصف بالعلو والرفعة ، أن يخسف بكم الأرض وتأوله الزمخشري بوجهين :
أحدهما : هذا ، والثاني : أنه خطاب للكفار على دعواهم واعتقادهم أنه في السماء ، ورد بأنه تفريع على دعوى باطلة ، ولا يصح التفريع على الدعوى الباطلة ، إلا بعد بيان الدليل على بطلانها ، والمذهب الحق عند الأصوليين : أن الله منزه عن الجهة والمكان ، إذ لو كان متصفا بالمكان للزم عليه إما عدم حدوث العالم أو حدوث الذات الكريمة ، لأن المكان من جملة مخلوقاته ، فلو كان مكان للزم قدمه أو حدوث من حل فيه ، وغلط عياض في الإكمال في حديث سودة لما قال لها : أين الله ، قالت : في السماء ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : اعتقها فإنها مؤمنة ، فذكر عياض فيه كلاما حاصله عدم تكفير من أثبت الجمعة ، وهو باطل ، وذكر مسلم حديث سودة في كتاب الصلاة ، ولابن عبد البر فيه كلام باطل ، وحكى القرطبي هنا قولا : أن المراد في الآية ملك العذاب ، وهو جبريل ، قال : قيل : أنه على حذف مضاف أي آمنتم خالق من في السماوات ، وإفراد إما لأن المشاهد لنا سماء واحدة ، ولأنه إذا حصل التخويف بمن في السماء فأحرى أن يحصل بمن في الجميع ، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، والمراد بالخسف إما مكانهم أو جميع الأرض ، والمراد بالحاصب إنزال الحجر عليهم [٧٩ / ٣٩٣] للاهتمام الجهة فوق ، لأنها المقصود بالنظر ، فإن قلت : في سورة ص (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) [سورة ص : ١٩] ، بالإفراد ، وقال : هنا (صافَّاتٍ) ، بالجمع ، قلت : لأن انعطاف الطير لازم لها دائما ، بخلاف الحشر فإنه خاص بزمن داود عليهالسلام لبعض الطير ، وهو طير وطنه الذي كان فيه ، فناسب الإفراد في سورة النحل (مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ) [سورة النحل : ٧٩] ، والفرق أعم الجو.
قوله تعالى : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ).