إلا معه ، فأتى فيه بأن الداخلة على المحال أو القريب منه ، وأما النصرة على الأعداء فليست لازمة ، بل قد يكون وقد لا يكون ، فلذلك لم يقرن إمساكها بأن للدلالة على الحال ، فإن قلت : ما مناسبة تعقب الأول بقوله تعالى : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) ، وتعقب هذا بقوله (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ [٧٩ / ٣٩٤] وَنُفُورٍ) ، هلا كان الأمر بالعكس ، فالجواب : أن النصرة دالة على العتو والقوة ، وهم ادعوا أو لبسوها لأنفسهم وزعموا أنهم ينصرون فلو عقب بقوله (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) ، لتوهم أن لهم قوة واستنفارا لأنفسهم ، فتحرز من ذلك بقوله تعالى : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) ، إشارة إلى أنهم اغتروا فتوهموا أن لهم قوة وتجلد أو أنهم لا يغلبون ، بل ينصرون ، ولما كان الرزق محققا نسبة إلى الله تعالى وهم مقرون بذلك وما ادعوا نسبته إليهم أصلا ، عقبوا ببيان أنهم تعنتوا أو كذبوا ونفروا ، ويقال في البهائم : نفرت نفورا وفي بني آدم : نفرت نفيرا ونفارا وقوله تعالى : (وَنُفُوراً) ، إشارة إلى شدة جهلهم وغباوتهم أنهم فعلوا فعل البهائم في القول.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ).
إن قلت : هل هذا التركيب مضاد وتعكسه ، وهو أفمن على سواء أهدى ، أم من يمشي مكبا على وجهه ، فالجواب : أنه غير متناوله ، لأنه يقرب التهكم بهم في كون حالتهم مساوية بحالة غيرهم ، ولا يحصل ذلك إلا بالتصدير لهم ، الزمخشري : يكب من أكب ، وليس هو مطاوع كب انتهى ، ولم يبين وجه كونه غير مطاوع ، وبيانه أن فعل المطاوع هو الذي يقع سببه من غير فاعله ، كقولك : كسرته فانكسر ، وغير المطاوع منه مقصور على فعل فاعله ، مثل قام وقعد ، وأكب هذا ، يقول : أكب لمن اتصف لمن بلا كتباب ابتداء من غير أن يكبه أحد.
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ).
إنما أعاد لفظة (قُلْ) ، هذه خاصة ، لأن عرف القرآن أن لا يعاد لفظ (قُلْ) إلا حيث يراد التشريف والتعظيم والتشديد في الحكم ، ولما كان جميع الآيات المتقدمة الاتعاظ فيها بأي خارج عن ذات الإنسان والوعظ في هذه في أمر راجع لذاته ففهم ، وأبلغ في الاتعاظ والحصر بالضمير ، والموصول يقتضي ألا مصور إلا الله تعالى ، فمن نظر وتأمل وتحقق أن ذلك لا بد له من فاعل ، والفاعل لا يصح أن يكون له فاعل آخر ، لأن لا يلزم عليه التسلسل ، ودلالة التمانع تحقق أن لا موجد له إلا الله عزوجل.
قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ).