قوله تعالى : (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ).
إن قلت : لأي شيء عطفه بالواو ولم يعطفه بالفاء المقتضية للتسبب ، لأن إنما الكتاب سبب في داريته حسابيه ، وعدمه سبب في عدم درايته حسابه ، فالجواب : أنه لو عطف بالتاء مثبتا كان المتمني سواء الأول فعطفه بالواو على أنه تمنى كل واحد من الأمرين على حدته.
قوله تعالى : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ).
إما أن المراد يا ليت الموتة الأولى كانت قاضية علي ، فيحتاج إلى تعذر وصفه ، أي القاضية الأبدية التي لا رجوع منها للحياة ، وإما أن المراد يا ليت هذه الحالة التي أنا فيها من العذاب كانت تقضي عليه [...] ولا يحتاج في هذا إلى تقرير صفة الأبدية ، لأن المعنى يهتدي لذلك ، فإن قلت : هذه الآية ترد قول المتكلمين : وجود خير كلمة والعدم شر كلمة ، فإن هذا قد تمنى العدم ، وهو عنده خير من الوجود ، فالجواب : أنه إنما تمنى العدم لما نابه من شدة العذاب في وجوده ، وقولهم : العدم شر كلمة بالنظر لنفسه فقط لا لعارض يعرض.
قوله تعالى : (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ).
أجاب بعض الشيوخ : الوقف هنا ويهتدي سلطانيه ، (خُذُوهُ) أي يقول الله : سلطانيه خذوه ويخاطب الملائكة فقط ، سلطان المراد به الجنس ، ويكون أمرهم بأحده وهذه صحيح في المعنى ، لكن فيه تكلف (خُذُوهُ) إن قلت : لأي شيء روعي في آية أهل اليمين لفظ ، ومعناها تقيد (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ، وهنا رد على لفظها فقط ، فالجواب : أن أهل اليمين المطلوب تكثيرهم فناسب الجمع ، وأهل الشمال المطلوب تقليلهم فناسب الإفراد ، وإن كانوا باعتبار الوجود أكثر عذرا ، أو انظر هل الحض على إطعام المسكين أعم من إطعامه ، أو بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه ، لاجتماعهما فيما إذا حض الإنسان نفسه على الإطعام وأطعم ، أو هما ضدان ، وهو الأظهر كما أن الصواب أن صفة العلم ليست أعم من صفة القدرة ، بل هما صفتان متباينتان.
قوله تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها).
جعله ابن عطية من باب القلب ، أي اسلكوا السلسلة فيه وحده ، الزمخشري :
على ظاهره ، وقال : إن السلسلة تحيط به ويلف فيها وإطعام الطعام أشق على النفوس من مجرد الحض على إطعامه ، فألزم على تركه أشد وأولى من الزم على ترك الأشق