هذا مع أن زمن الشتاء والصيف أمر نسبي يختلف باختلاف الأقطار ، فإذا كانت الشمس في رأس السرطان كان عندنا أول الصيف ، وعند أهل الجنوب أول الشتاء ، وإذا كانت في رأس الجدي فعلى العكس؟ ، وكيف يفهم انتقالها وما تقول في زمن الربيع والخريف هل تنتقل فيه أو لا؟ فإن قلتم الجنوب غير معمور وإنما كلامنا في معمور الأرض ، قلت : السؤال واجب رد من حيث الجملة لا بالنظر إلى معمور وغيره وأيضا فنص بطليموس على أن بعض الجنوب معمور ، وأيضا كيف انتقالها مع كونها قدر الدنيا مائة وستين مرة ونيف؟ فكيف تنتقل للسماء الدنيا؟ فالجواب : أن ذلك يفهم على أحد وجهين :
إما بأن المنتقل شعاعها لا ذاتها ، وإما بأن مراده بالسماء السابعة [...] وهو أعلى فلكها وأقصى ارتفاعها ؛ لأن السماء يراد بها العلو فقط ، وقيل في الصيف : تبلغ إلى أعلى الفلك فيكون في آخر الجواز وأول السرطان وهو أوجها.
قوله تعالى : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً).
أبو حيان : فيه الحذف من الثاني لدلالة الأول ؛ أي وجعل الشمس فيهن سراجا ، هذا لا يصح ؛ لأن الشمس ليست في جميعهن ؛ لأنها في الفلك الرابع وما فوقه محتو عليه ؛ بخلاف ما تحته وهو الفلك الأول والثاني والثالث فإنها خارجة عنهن وليست فيهن ؛ فليس فيه الحذف من الثاني لدلالة الأول وإنما تقدير المحذوف وجعل الشمس في بعضهن سراجا ، فإن قلت : إن كانت جعل بمعنى خلق فما قلته ظاهر ، وإن كانت بمعنى صير ، فتقول : إن الشمس مصيرة في الجميع باعتبار كونها سراجا ؛ لأن ضوءها يعم الجميع ، قلت : إنها في ذاتها وصفتها ، كما تقول : زيد في المدينة كريم فكرمه وذاته في المدينة ، وعبر بالسراج في الشمس إشارة إلى أن ما فيها من الحرارة كما في ضوء السراج ، وأما القمر فلا حرارة فيه فلذلك لم يسميه سراجا.
قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً).
الزمخشري : نباتا مصدر من لفظ نبت أو من معناه ، فتعقب أو حيان قوله من معناه بأنه غير معقول ، ويجاب بأنه أراد أن المصدر من المعنى هو الذي يستلزمه الفعل الأول ، فلا يكون إلا أخص من الفعل ، مثل : جلست القرفصاء ، ولا يجوز أن يكون أعم منه ، فلا تقول : قام زيد حركة ؛ لأنه لا يفسر الجلي إلا أجلى منه ، وأنبت أخص من نبت ، وقيل : نباتا بدل ، ورد بأنه بدل الأعم من الأخص وهو باطل حسبما نص عليه ابن عصفور في باب الاستثناء من مقربه وغيره.
قوله تعالى : (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ).