الثاني : أن الجنات ذكرت بعد إرسال السماء عليهم مدرارا ؛ فكأن السامع يتوهم أن المطر لا يدوم بل ينقطع أحيانا فتبقى الجنات بلا سقي ؛ فاحترس من ذلك بقوله (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ).
فيه سؤال وهو أن المعلوم للخلق بالضرورة إنما هو مجرد السموات لا كونها سببا ، وأتى نوح عليهالسلام بهذا الدليل تقريرا على قوله فكأنه يقول لهم : ألم تعلموا أن الله خلق سبع سموات طباقا فكيف تكفرون به؟ وهذا غير معلوم إلا من جهة السمع أو من جهة النظر والرصد ، وليس بأمر ضروري ، والجواب أن علماء أهل الهيئة نصوا على أن ذلك يدرك بالرصد وأن القمر في السماء الدنيا ، وعطارد في السماء الثانية ، والزهرة في الثالثة ، والشمس في الرابعة ، والمريخ في الخامسة ، والمشترى في السادسة ، وزحل في السابعة ، وأنها كلها تكسف فتحجب بعضها ولا يدرك ذلك إلا بطول الأعمار ، فالمتقدمون لطول أعمارهم رصدوا ذلك فعلموا منه عدد السموات ، وهذه الآية من كلام نوح عليهالسلام لقومه ، وقد كانت أعمارهم طويلة فهم ممن حصل لهم العلم الضروري بكون السموات سبعا من الرصد والكسوفات.
قوله تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً).
الزمخشري : القمر في السماء الدنيا ، وإنما قال (فِيهِنَ) لأن بين السموات ملابسة من حيث إنها طباق فجاز أن يقال : فيهن كذا ، وإن لم يكن في جميعهن ، كما يقال في المدينة كذا وهو في بعض جوابها ، انتهى. هذا دليل على أن السماء عنده بسيطة ، لقوله : إن لم يكن في جميعهن ، ولا أنا إذا قلنا : أنها كروية والقمر في السماء الدنيا ، فهو في قلب السموات السبع كلها ، ولذلك قال ابن عطية : لأن القمر من حيث هو في آخرها فهو في الجميع عند ابن عطية كروية ، وعن ابن عمران : الشمس لها وجه وظهر ، فوجهها ما يلي السماء ، انتهى. يريد أن ضوءها مختلف [٨١ / ٤٠٢] فهو من جهة قوي ساطع فسماها وجها ، ومن جهة ذلك فسماها ظهرا ، وقيل : أنها من الجهتين على حد سواء ، ابن عرفة ؛ وقيل : إن الشمس في السماء الخامسة ، وقيل : في الرابعة ، وقال عبد الله بن عمر هي في الشتاء في السماء الرابعة ، وفي الصيف في السماء السابعة ، انتهى.
وهذا عندنا جائز أعني انتقالها من سماء إلى سماء ، وأما الطبائعون فيستحيل ذلك عندهم ؛ ومراده بالسماء السابعة سماء الدنيا الموالية لنا فحينئذ يكون عندنا الصيف ، ولو كانت في أعلا الفلك كما هو المتبادر للذهن لبعدت عنا ، فإن قلت : كيف يفهم