قوله تعالى : ... (١).
عموم قوله (كُلَّما) ليس على حقيقته وهو مخصوص بأول يقسم لهم فإنهم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حينئذ إذا لم يكن لهم علم بدعواه لرسالة إليهم ، قلت : بل هو على عمومه لوروده بعد قوله (إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) أي دعوتهم دائما فلم يؤمنوا بكم بعد ذلك دعوتهم فسدوا آذانهم وغطوا رؤوسهم ؛ ولأنهم قد سمعوه أحيانا وأصغوا له وأجابوه ، فقالوا (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [سورة الشعراء : ١١١] ، وأيضا الأول مطلق يصدق بصورة ، وهو منطلق الدعوة في مطلق زمان فلا يفيد التكرار ، فقال هنا (كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) ليفيد التكرار ، وأيضا يكون المراد بالأول الإنسان الأباء ، والثاني آبائهم أبنائهم.
قوله تعالى : (وَاسْتَكْبَرُوا).
استكبروا تأكيد الاستكبار بالعند دون الإصرار إما مراعاة لرؤوس الآي ، وإما لأن الاستكبار مدركة بالبديهة ، والإصرار من أفعال القلوب والاستكبار أشنع ، فكذلك أكده ، ووجه الترتيب في هذه المعطوفات في جعل الأصابع في الآذان قدر مشترك بين جميعهم فقدم ، وربما لم يكن عند بعضهم ثياب فلا يتوجه طلب الاشتغال بالثياب فكان تابعا لأنه أخص ، وقوله (وَأَصَرُّوا) لما كان دالا على وصفهم بالجفاء والبلادة ، وتشبيههم بالحمر الوحشية كان تابعا لما قبله ؛ لأنه ترق في الذم ، وقوله (وَاسْتَكْبَرُوا) لما كان تجافيا للجهل والبلادة وإنما يجب في حق الجاهل البليد أن يذل [...] كان هذا دالا أن جهلهم مركب ؛ فكان تابعا لأنه أبلغ في الذم وفيه تهكم بهم.
قوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ).
خبر في الأقوال بالأمة إذ وفي الجنات بالجعل ، وفي سورة الشعراء (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ) [سورة الشعراء : ١٣٣ : ١٣٤] فإن قلت : لم قدم الجنات على الأنهار مع أن الأنهار سبب في حصول الجنات؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أن الجنات مقصد والأنهار وسيلة ، والمقصد أحق بالتقديم.
__________________
(١) لم يثبت المصنف نص الآية ولكن أثبت شرحها.