عندهم لا يكون إلا أعم من الخبر أو متساويا ، فلا يسمى غير الإسلام دينا ، ولا إسلاما بعد نزول هذه الآية ، قال تعالى (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) [سورة النحل : ١٢٠] مسلما فقال : المراد الإسلام اللغوي ، وهو لمجرد الانقياد وليس المراد الشرعي بوجه ، أو يقال : إن السؤال غير ما قيل ؛ لأنه إنما سماه مسلما على مقتضى شريعته ، وقد كان دينه إذ ذاك يسمى إسلاما ، ولذلك قال (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي من ذلك إما فلفظ التسبيح ، أو يجعل على التعزية والفاء للمصاحبة أو للسبب ، ابن عرفة : فإن قلت : الشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة ، والحمد إما قسيمه أو أعم منه ، والنصر والفتح المنصوص عليها نعم عظيمة ، فهلا قيل : فسبح بشكر ربك؟ فالجواب أن الحمد صفة من صفات الذات الراجعة لها ، وحمد الله لذاته أولى من حمده لفعله ، كما أن عبادة الله تعالى لذاته أولى من عبادته لإنعامه ، فأمر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بأشرف الأمور ، وهو أن تسبيحه مصاحبا لحمده المتعلق بذاته ؛ لأنه أهل لأن يحمد ، والمراد بالتسبيح خاص بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من جعل النصر والفتح خاصين له ، وأما من جعلهما تامين في كل أمر ؛ فالخطاب أيضا بذلك لكل من انتصر وافتتح البلاد.
وقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْهُ) إن أريد به كل إنسان فهو على حقيقته ، وإن أريد النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فهو على معنى يليق به باعتبار الانتقال من مقام إلى مقام أعلى منه.
قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً).
ولم تزل والتواب إما صفة فعل أو صفة معنى ؛ لأنه إن أريد به الذي يخلق التوبة لعباده ، فهو صفة فعل ، وإن أريد به القبول والصفح عن الجرائم المتقدمة فهو حكم شرعي ، والحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل الاقتضاء والتخيير ، وخطاب القديم الأزلي فيرجع إلى صفة المعنى فهو فعلي أو قولي معنوي يصح الأمران ، وقال الزمخشري : إن كان في الأزمنة الماضية مثل خلق المكلفين توابا عليهم إذا استغفروه.
[٨٤ / ٤٢٠] قال ابن عرفة : وهذا جار على مذهبه ؛ لأنه ينفي ما قلنا ولا يثبته ، وقال الإمام فخر الدين الخطيب في شرح الأسماء الحسنى : توبة العبد عبارة عن عوده إلى الإحسان اللائق بالربوبية ، قال : وقال الخطابي : التوبة تكون لازمة ومتعدية ، يقال : تاب الله على العبد أي وفقه للتوبة ، كما قال تعالى (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [سورة التوبة : ١١٨] ، ويقال : تاب الله عليه ، أي قبل توبته ، وهي من تسمية الشيء باسم قلائقه يلائمه.