الإيمان فالمقلد عندكم عاص عندهم بعدم النظر ، وهو من حقيقة ، وقيل : أن شرط في صحة الإيمان ، والآية حجة لمن يقف على تأويل الآيات والأحاديث الموهمة فنقول : يعتقد أن الوجه المحال غير مراد ، لأن التأويل لا محصل علما ، وإنما ينتج النظر عن ذكرنا هذه الإضافة إما للفعل أو للمفعول.
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا).
إن قلت : لم عدل عن المطابقة ، فلم يقل : ليجزي الذي أساءوا بإساءتهم.
كما قال تعالى (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) ، قلت : لأن العمل أعم من الإساءة ، وتعليق الحكم بالعقوبة على الأعم أبلغ من تعليقه على الأخص ، بخلاف الثواب لأن الإساءة المطلوب نفيها ، فكان ذلك من باب النفي والإحسان ، المطلوب ثبوته فصار ذلك من باب الثبوت وإلا بلغ استعمال الأعم في النفي ، والأخص في الثبوت ، ويجاب أيضا : بأن السيئات مذمومة شرعا فكره إعادتها بلفظ الخاص بها ، وأعيدت باللفظ الأعم ، والحسنات مندوب إليها ، فاستعملت بأخص لفظها ، ابن عطية : راجح لقوله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ) [سورة القلم : ٧] ، الآية ، وما بينهما اعتراض انتهى ، ووجه إفادة تحقيق المجازات إنما هي ممن هو مالك لجميع الأشياء ، فينتصف من الظالم للمظلوم ، ولا يعجزه شيء ، والذين أساءوا مخصوص بالصغائر ، لأنها مغفورة باجتناب الكبائر ، ومخصوص بالتوبة من الكبائر ، ومخصوص بالكافر يسلم ، أو نقول أنه غير مخصوص ، بل يتناول هذه الأشياء عموم قوله تعالى : (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) ، ومن مجازاتهم بالحسنى مغفرة الكفر وذنوب الكبائر بالتوبة والصغائر باجتناب الكبائر ، فإن قلت : عبر عن إحسان الذين أحسنوا بالفعل الماضي ، وحين فسر بقوله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) عبر بالمضارع ، قلت : المراد بالدوام على الإحسان وتجدده وعدم انقطاعه ، والإحسان من قبل المشكك أعلاه في الحديث" أن تعبد الله كأنك تراه (١) " وأوسطه ما في الآية.
قوله تعالى : (وَالْفَواحِشَ).
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٤٤٣١ ، ٤٩ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ١٠ ، ٩ ، وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم : ٢٠٩٢ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٥٨ ، ٥٦ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ٤٠٧٨.