هذا هو منطق القرآن بشأن مشروعيّة الجهاد ، في سبيل الدفاع عن كرامة الإنسان ، والدفاع عن حرّيّته ، والدفاع عن عقيدته والدفاع عن حقوقه المهضومة ، الّتي اغتصبها أصحاب الاستكبار والاستثمار ، أصحاب الاستعمار والاستغلال ، أصحاب استضعاف الشعوب واستئصالهم.
هذا هو شأن الجهاد في الإسلام دفاعا عن كيان الإنسان ذاته.
جاهد الإسلام ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة الّتي كانوا يسامونها ، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم ، وقرّر ذلك المبدأ العظيم : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ).
جاهد الإسلام لتقرير حرّيّة الدعوة ـ بعد تقرير حرّيّة العقيدة ، فقد جاء الإسلام بأكمل تصوّر للوجود وللحياة ، وبأرقى نظام لتطوير الحياة. جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشريّة كلّها ، يبلّغه إلى أسماعها وإلى قلوبها. فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ولا إكراه في الدين. ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافّة ، كما جاء من عند الله للناس كافّة. وأن تزول الحواجز الّتي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضمّوا إلى موكب الهدى إذا أرادوا.
ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصدّ الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتن المهتدين أيضا. فجاهد الإسلام ليحطّم هذه النظم الطاغية ، وليقيم مكانها نظاما عادلا يكفل حرّيّة الدعوة إلى الحقّ في كلّ مكان وحرّيّة الدعاة. وما يزال هذا الهدف قائما ، وما يزال الجهاد مفروضا على المسلمين ليبلّغوه إن كانوا مسلمين!
جاهد الإسلام ليقيم في الأرض نظامه الخاصّ ويقرّره ويحميه. وهو وحده النظام الّذي يحقّق حرّيّة الإنسان تجاه أخيه الإنسان ، حينما يقرّر أنّ هناك عبوديّة واحدة لله الكبير المتعال ، ويلغي من الأرض عبوديّة البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها!
جاهد الإسلام ليقيم هذا النظام الرفيع في الأرض ويقرّره ويحميه. وكان من حقّه أن يجاهد ليحطّم النظم الباغية الّتي تقوم على عبوديّة البشر للبشر!
وما يزال هذا الجهاد لإقامة هذا النظام الرفيع مفروضا على المسلمين (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(١).
__________________
(١) الأنفال ٨ : ٣٩.