لم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اقتناعهم عقيدة ، ولم ينتشر بالسيف على هذا المعنى ، كما يريد بعض أعدائه أن يتّهموه ، إنّما جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن في ظلّه أصحاب العقائد جميعا ، ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته.
وكانت قوّة الإسلام ضروريّة لوجوده وانتشاره وإمكان بقائه واستمراره ، ليطمئنّ أهله على عقيدتهم واطمئنان من يريدون اعتناقه على أنفسهم ، وإقامة هذا النظام الصالح وحمايته. ولم يكن الجهاد أداة قليلة الأهمّيّة ، ولا معدومة الضرورة في حاضره ومستقبله ، كما يريد أخبث أعدائه أن يوحوا للمسلمين.
لا بدّ للإسلام من نظام ، ولا بدّ للإسلام من قوّة ، ولا بدّ للإسلام من جهاد. فهذه طبيعته الّتي لا يقوم بدونها إسلام يعيش ويقود.
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، نعم ، ولكن : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ)(١).
وهذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام. وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم ، وحقيقة تاريخهم ، فلا يقفوا بدينهم موقف المتّهم الّذي يحاول الدفاع ، إنّما يقفون به دائما موقف المطمئنّ الواثق المستعلي على تصوّرات الأرض جميعا ، وعلى نظم الأرض جميعا ، وعلى مذاهب الأرض جميعا (٢). (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٣). بل (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ)(٤).
***
وإليك ما ورد بشأن نزول الآية ، ينبؤك عن رصانة هذا المبدأ الإسلامي العريق :
[٢ / ٧٤٩٠] روي عن ابن عبّاس ـ بشأن نزول الآية ـ أنّ رجلا من الأنصار يقال له : الحصين ، من بني سالم بن عوف ، تنصّر ابنان له وذهبا إلى الشام قبل ظهور الإسلام. فجاءا في نفر من النصارى
__________________
(١) الأنفال ٨ : ٦٠.
(٢) في ظلال القرآن ١ : ٤٢٩ ـ ٤٣٣. (اقتباس). وراجع : السّلام العالمى في الإسلام ـ لسيّد قطب. وكتاب الجهاد لأبي عليّ المودوديّ وغيرهما من أعلام.
(٣) آل عمران ٣ : ١٣٩.
(٤) محمّد ٤٧ : ٣٥.