والتداين من أعظم أسباب رواج المعاملات وبثّ روح العمل والتنمية في الاقتصاد العامّ. فإنّ المقتدر على تنمية المال قد يعوزه رأس المال ، فيضطرّ إلى التداين ليظهر مواهبه في التجارة أو الصناعة أو الزراعة. كما أنّ صاحب المال قد ينضب لديه المال فيتعطّل نشاطه ، فيحتاج إلى التداين لسدّ ثغرته واستمراره في العمل الجادّ. وهكذا يعمل التداين في تنشيط عوامل تنمية الاقتصاد.
والخطاب في الآية موجّه إلى عامّة المسلمين ، حيث ضرورة حياتهم الاقتصاديّة إلى التداين ، بعضهم من بعض ، فالمعوز يتداين من المثري فضل ماله ، وهذا يتداين إذا قصر ماله للإنتاج والعمل المثمر ، وهكذا يتعاضد المسلمون بعضهم من بعض ، وينشط العمل النافع ويزدهر الاقتصاد في أنحاء البلاد.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) تتقدّر بالتعيين لئلّا يقع التشاجر فيما بعد (فَاكْتُبُوهُ) سجّلوه على الوثائق الرسميّة ، تأكيدا في التوثيق. (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ). هذا هو المبدأ العامّ الّذي يريد تقريره ، فالكتابة أمر مفروض بالنصّ ، فرضا إرشاديّا دون توقّع اختلاف بينكم.
ومن ثمّ : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) أي كما أراده الله من العدل بين الطرفين فلا يميل في كتابته مع أحد الطرفين ولا ينقص ولا يزيد ، مع كمال الاحتياط وتمام الضبط.
(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) وهو المدين ، يملل على الكاتب اعترافه بالدين ومقدار الدين وشرطه وأجله ، بتمام وكمال. (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) لا ينقص منه شيئا ، لا في مقدار الدين ولا في أجله أو ما اشترط عليه. (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) في البيان (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ).
وعلاوة على الكتابة والتسجيل بالنصّ : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) تعتمدونهم في مهامّ أموركم.
ثمّ بيّن ـ سبحانه ـ علّة جعل المرأتين بمنزلة رجل واحد ، وقال : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، أي حذر أن تضلّ إحداهما أي تخطىء ، لعدم ضبطها وقلّة عنايتها ، فتذكّر إحداهما الأخرى ، تنبّهها على ما غفلت عنه ، فتكون شهادتها متمّمة لشهادة تلك. أي أنّ كلّا منهما