يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] ، فإرادة الإنسان خاضعة حكما للإرادة الإلهية ، وإلا لكان لله شريك في الملك ، ولصار في العالمين آلهة ، ولذهب كل إله بما خلق وهذا مستحيل.
وفي الآية ذكر للابتلاء وهو تمحيص الأسماء لتفجير طاقاتها ، والبدء والعودة على بدء خاضعان للإرادة الإلهية ، ولهذا وجبت الرحمة لأنها الأصل ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : (ورحمتي سبقت غضبي).
أما فضل الله على المؤمنين فهو بحكم اصطفاء قلوب لتكون مرآة الأنوار ومحلا للمكالمة ، وهذا بالطبع فضل ، إذ ما في الاصطفاء حكم موجب إلا حكم الاختيار الإلهي ، ولهذا قال القشيري : من رأى نفسه خيرا من فرعون فما عرف ، ولهذا فصلت الأشاعرة القول في الكسب الذي هو فضل محض ، ولهذا قال إمام الأشاعرة الغزالي في «الإحياء» : لا يتوجب على الله شيء ، فهو إن شاء عفا عن كل الكافرين ، وعاقب جميع المؤمنين.
١٥٣ ـ (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣))
[آل عمران : ١٥٣]
الصعود الدوران في الدائرة الإلهية بدافع الإرادة البشرية الداخلة في مجال الحرية المحدودة أو المحددة ، فللإنسان أن ينتقل من حكم اسم إلى حكم اسم ولكن داخل الدائرة ، إذ ليس ثمت خارج هذه الدائرة دائرة أخرى ، وليس ثمت وجود إلا الوجود الإلهي ، والرسول يدعو الأسماء كلها بالاسم الآخر ، ولهذا ورد في الآية أن الرسول دعا المؤمنين في أخراهم.
أما الغم الناجم عن التنقل بين الأسماء فسببه كون القلب في التلوين ، محجوبا بحجاب اسم من الأسماء ، والأسماء كلها حجب كما جاء في الحديث : (إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه البصر من خلقه).
١٥٤ ـ (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤))
[آل عمران : ١٥٤]
إنزال النعاس بمثابة الراحة من الجهاد في سبيل الله ، والجهاد كله جهاد أسماء ، فالنعاس هنا بمثابة اليقظة من النوم كما جاء في الحديث : (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) ، فكل ابن آدم